أزمة اختيار رئيس البرلمان العراقي: الانتقال للمحكمة الاتحادية

أزمة اختيار رئيس البرلمان العراقي: الانتقال للمحكمة الاتحادية

20 يناير 2024
البرلمان العراقي في بغداد، أكتوبر 2022 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

للشهر الثاني على التوالي، تتواصل في العراق أزمة اختيار رئيس جديد للبرلمان بعد إقالة رئيسه السابق محمد الحلبوسي بقرار من المحكمة العليا، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إثر إدانته بجريمة تزوير محاضر رسمية تتعلق بخطاب استقالة أحد النواب.

ورغم دخول القوى السياسية العراقية بعدة جولات تفاوضية نحو اختيار رئيس جديد بالتوافق، إلا أن المنصب الذي جرت العادة أن يكون من حصة القوى العربية السنّية، تتصارع عليه عدة أحزاب سنّية وتعتبره من نصيبها. وانتقلت هذه الأحزاب من الحديث عن ثقل كل كتلة أو حزب بالبرلمان وعدد مقاعدها، إلى أهمية تدوير المنصب بين المحافظات ذات الغالبية السنّية شمال وغربي البلاد.

وعقد البرلمان السبت الماضي، جلسة لانتخاب رئيس البرلمان العراقي من دون توافق، وترشح للمنصب كل من شعلان الكريم، وسالم العيساوي، ومحمود المشهداني، الذي كان رئيساً للبرلمان بين عامي 2006 و2008، والمدعوم من أطراف حليفة لطهران، أبرزها "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي.

لكن المشهداني خرج من الجولة الأولى بالتصويت ليبقى كل من مرشح حزب "تقدم" شعلان الكريم، ومرشح حزب "السيادة" سالم العيساوي. ودفعت قوى في "الإطار التنسيقي"، عقب الجولة الأولى إلى إحداث أزمة داخل جلسة البرلمان بوضع فقرة جديدة تهدف للحد من صلاحيات رئيس البرلمان وهو ما أدى إلى شجار بين النواب، تقرر على أثرها رفع الجلسة حتى إشعار آخر.

حلفاء إيران ومنصب رئيس البرلمان العراقي

في المقابل، وفي سياق رفض قوى حليفة لإيران مرشح حزب "تقدم" شعلان الكريم لشغل منصب رئيس البرلمان العراقي، قدمت شكوى ضده بشأن مقطع فيديو يعود لسنوات عديدة، يمدح فيه حقبة النظام العراقي السابق مقارنة بالوضع الحالي، واعتبرته "تمجيداً" بصدام حسين.

وتسلمت المحكمة الاتحادية العليا، الأحد الماضي، دعوى تطالب ببطلان ترشيح الكريم لرئاسة البرلمان، وأقام الدعوى النائبان يوسف الكلابي وفالح الخزعلي عن "الإطار التنسيقي"، وتضمنت الدعوى طلباً بإصدار أمر ولائي بإيقاف جلسة الانتخاب لحين حسم الدعوى.


انتشر فيديو للكريم يمدح فيه النظام العراقي السابق

وعلى أثرها رد حزب "تقدم"، برفع شكوى أمام المحكمة الاتحادية العليا ذاتها، أثار النائب عن الحزب هيبت الحلبوسي، ما قال إنها "خروقات ومخالفات" حدثت من قبل النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندولاي، خلال جلسة مجلس النواب، السبت الماضي. كما تلقت هيئة النزاهة دعاوى لفتح تحقيق بشأن قضية تلقي نواب في البرلمان مبالغ مالية (رشى) مقابل انتخاب أحد المرشحين.

كل هذه التطورات تجعل من مسألة حسم اختيار رئيس جديد للبرلمان غير مضمونة، إلى جانب استمرار الخلافات السياسية، ووجود مصلحة في تعطيل الاستحقاق، بسبب وجود عدد من القوانين التي تنتظر تشريعها بالبرلمان وتعارض بعضها قوى سياسية، وفقاً لنائب في البرلمان العراقي.

وقال النائب، الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الوضع يخدم الإطار التنسيقي، خصوصاً الجناح المتشدد داخله المتمثل بنوري المالكي، وقيس الخزعلي". وأضاف أن "المفاوضات توقفت، والجميع ينتظر ما ستقوله المحكمة الاتحادية بشأن الدعاوى المرفوعة لها".

من جهته، قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان، عارف الحمامي، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات على اختيار رئيس جديد للبرلمان، بات لها جانب قانوني حول شرعية ترشيح الكريم لمنصب رئيس البرلمان، إضافة إلى وجود شكاوى بشأن قانونية جلسة الانتخاب الأخيرة".

وكشف الحمامي أن "جميع الكتل والأحزاب السياسية، تنتظر ما ستحكم به المحكمة الاتحادية العليا بشأن شرعية ترشيح الكريم وكذلك حول ما حصل من أحداث خلال جلسة الانتخاب، وما سيصدر عن المحكمة سيكون دافعاً للكتل والأحزاب للإسراع بحسم ملف انتخاب الرئيس الجديد". وأضاف أن "الحوارات جامدة في مكانها من دون أي تقدم منذ أيام".

وشدّد الحمامي على أن "التحقيقات النيابية والقضائية والرقابية مستمرة بشأن قضية إعطاء مبالغ مالية لعدد من النواب مقابل التصويت لصالح مرشح حزب تقدم شعلان الكريم، وهذا الأمر كشفه لنا الكثير من النواب الذين عرضت عليهم هذه الأموال".

أما عضو حزب "تقدم"، محمد العلوي، فذكر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن حزبه ما "زال متمسكاً بشعلان الكريم لرئاسة البرلمان"، مضيفاً أن "كل الاتهامات الموجهة ضده هي محاولة لإسقاطه كما هناك محاولة من أجل سحب المنصب من حزب تقدم، رغم أنه يملك الأغلبية السنية داخل مجلس النواب"، وفقا لقوله.

وأشار العلوي إلى أن "ما حصل في جلسة انتخاب رئيس البرلمان العراقي الأخيرة، كان فوضى سياسية مختلقة لإفشال الجولة الثانية بسبب حصول مرشحنا على أغلب الأصوات من قبل النواب، ولهذا قدمنا شكوى وطعونا بقانونية ما حصل خلال الجلسة من فوضى سياسية". وأكد عدم وجود نية لتغيير مرشح الحزب للمنصب.

دور المحكمة الاتحادية

في المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي ماهر جودة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السياسية اعتادت على حل خلافاتها وصراعاتها باللجوء إلى المحكمة الاتحادية، ولهذا نعتقد أن أزمة انتخاب رئيس البرلمان الجديد، ستحل بعد إصدار هذه المحكمة قرارها الذي يكون ملزماً وباتاً للجميع بشأن شرعية ترشيح الكريم، لما يواجه من اتهامات إضافة الى قانونية جلسة البرلمان الأخيرة".


عارف الحمامي: التحقيقات مستمرة بشأن منح أموال لانتخاب الكريم

وأوضح جودة أن "الخلافات والصراعات خلال جلسة انتخاب رئيس البرلمان، السبت الماضي، كشفت حجم الخلافات بين كل الأطراف السياسية، حتى المنضوية في تحالف واحد، مثل الانقسام بين قوى الإطار التنسيقي وكذلك حزب تقدم وحزب السيادة".

وأضاف أن "أزمة انتخاب رئيس البرلمان العراقي ستطول ولا يمكن حسمها إلا بعد إصدار قرار من قبل المحكمة الاتحادية خلال الفترة المقبلة، وسيكون هذا القرار بمثابة اختصار للأزمة، كحال قرار هذه المحكمة التي حسمت الكثير من الخلافات والصراعات السياسية".

وأخفق البرلمان العراقي للمرة الثالثة على التوالي، السبت الماضي، في اختيار رئيس له خلفاً لمحمد الحلبوسي، الذي أُقيل بقرار قضائي منذ نحو شهرين، وقررت رئاسة البرلمان في ساعة متأخرة من ليل السبت - الأحد رفع الجلسة حتى إشعار آخر، بعد جولتين من التصويت، انتهت الثانية منهما بمشاجرات وخلافات أفشلت عملية التصويت.

وسبق أن أخفق البرلمان العراقي، خلال الفترة الماضية، لمرتين، في عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد له، بسبب عدم تحقيق النصاب القانوني. وفي الجلسة الأولى السبت، تقدم الكريم بـ152 صوتاً، وجاء خلفه النائب سالم العيساوي مرشح تحالف السيادة بـ97 صوتاً، وبعدهما مرشح تحالف العزم محمود المشهداني بـ48 صوتاً، علماً أن الفائز برئاسة البرلمان يجب أن يحصل على الأغلبية المطلقة، أي أكثر من 165 نائباً من أصل 329.