أحزاب تونسية تقيّم حكم سعيّد: غياب الإصلاحات واستحواذ على السلطة

أحزاب تونسية تقيّم 3 سنوات من حكم سعيّد: غياب الإصلاحات واستحواذ على السلطة

25 أكتوبر 2022
3 سنوات على حكم قيس سعيّد (Getty)
+ الخط -

مع مرور ثلاث سنوات على تولي قيس سعيّد الحكم في تونس، عقب أدائه اليمين الدستورية في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، تغير كامل المشهد السياسي في البلاد، من الاستيلاء على الحكم، إلى حل البرلمان وحل المجلس الأعلى للقضاء، إلى تجميد هيئة مكافحة الفساد، وصولاً إلى إصدار مراسيم غير قابلة للطعن وغير خاضعة لأي نوع من الرقابة، بحسب أحزاب تونسية.

أعوام ثلاثة على تولي سعيّد سدة الحكم، اختلفت حولها الآراء، حيث رأت بعض الأحزاب، التي تحدثت إلى "العربي الجديد" اليوم الثلاثاء، أن الأزمة في تونس تزداد تعقيداً، خاصة بعد تنظيم سعيّد استفتاء على الدستور في 25 يوليو/تموز الماضي، ما كرّس حكم الفرد ومكنه من الاستحواذ على السلطة، في حين رأى البعض الآخر أن الإصلاحات تتطلب مزيداً من الوقت، وأنه لا سبيل للعودة إلى الوراء.

فرض الأمر الواقع

وفي السياق، قال الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "يمكن تقسيم فترة حكم قيس سعيّد إلى مرحلتين، مرحلة دامت تقريباً سنتين، كان فيها رئيس الجمهورية يشتغل في إطار دستور 2014، وتحت صلاحيات هذا الدستور، وكان بإمكانه أن يلعب دوراً أكثر إيجابية، لأن تونس مرت بأزمة سياسية".

وعن المرحلة الأولى، استطرد بالشرح قائلاً: "وقتها كلف سعيّد هشام المشيشي بتشكيل الحكومة، ولكنه دخل في صراع معه ورفض أن يؤدي الوزراء الجدد اليمين، كما رفض المصادقة على القوانين التي نظر فيها مجلس نواب الشعب، ودخل سعيّد في صراع لفترة طويلة مع رئيس الحكومة ومع السلطة التشريعية، ورفض حتى ختم قانون المحكمة الدستورية، وكان ضد محاولات تركيزها".

وأوضح الشواشي أن "سعيّد لعب دوراً سلبياً في الوقت الذي كان بإمكانه أن يلعب دوراً إيجابياً، إذ ساهم في تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

أما المرحلة الثانية من حكم سعيّد، فقال الشواشي إنه "بعد 25 يوليو 2021، دخل رئيس الجمهورية في مسار جديد من الانقلاب على الدستور والتنكر حتى للقسم الذي أداه في مجلس نواب الشعب، ثم في 22 سبتمبر/أيلول من العام ذاته، ألغى سعيّد الدستور وحل المؤسسات المنتخبة واختار مساراً فردياً يقوم على فرض أجندته الخاصة، ومشروعه الشخصي".

مسار تدميري 

وأضاف أن "سعيّد، وخلال الـ14 شهراً الأخيرة، حاول فرض الأمر الواقع والتفرد بالحكم، وهو حكم مرفوض من غالبية الشعب التونسي، بدليل أن غالبية الشعب رفضت الاستشارة الوطنية وقالت: لا لدستور سعيّد الجديد، الذي مرره في 25 يوليو الماضي".

واعتبر أن "الانتخابات المقبلة ستعرف عزوفاً لأن غالبية الفاعلين السياسيين يقاطعونها"، مشيراً إلى أن "الأحزاب والقوى التي دعمت سعيّد من حراك 25 يوليو والتيار الشعبي، بدأت تتراجع وتتخلى عنه، وبالتالي نحن في مسار تدميري لمؤسسات الدولة، ومسار قمعي للحقوق والحريات، ويسير نحو تركيز حكم فردي واستبدادي جديد في تونس، ما ينبئ بأن سعيّد غير قادر على إكمال عهدته الرئاسية بـ5 سنوات، لأن تونس لا يمكن أن يحكمها رئيس مثل قيس سعيّد".

انقلاب على الدستور

بدوره، قال رئيس حزب التكتل خليل الزاوية، لـ"العربي الجديد"، إن "تونس تعيش أزمة على جميع المستويات، والوضع الاجتماعي والاقتصادي يؤكد أننا في وضع خانق". 

وأكد أن "الأزمة المالية دقيقة والحكومة عاجزة عن إيجاد خطة للخروج من الوضع الحالي، ولجأت إلى صندوق النقد الدولي سراً للاقتراض، ولكنه حل غير كاف"، مشيراً إلى أن "الإصلاحات المقترحة ستمس بالفئات الشعبية، وخاصة الهشة منها".

وأضاف الزاوية أنه "من الناحية السياسية، فإن المسار الذي وقع منذ 25 يوليو 2021 هو مسار انقلابي على الدستور، وتأسيس لدولة الحكم الفردي، التي تعتبر مدخلاً للحكم الديكتاتوري".

وقال أيضاً "نحن اليوم نعيش في دولة يعود فيها القرار للفرد، حيث الرئيس يصدر كل القوانين من دون أي استشارة ولا اعتبار للمسار الديمقراطي العادي، كما حصل في إعداد الدستور الجديد والقانون الانتخابي، وتقريباً كل المسار يعمق الأزمة السياسية".

كما رأى المتحدث أن "الانتخابات القادمة ستشكل ذروة الأزمة، لأنها من المنتظر أن تكون انتخابات فاشلة، وتتجه نحو تركيز برلمان صوري يصادق على كل ما يريده قيس سعيّد".

ولفت إلى أنه "يصعب العثور على إيجابيات خلال السنوات الثلاث من حكم سعيّد، فبعد إزاحة سعيّد الائتلاف الحاكم، الذي فشل بدوره وقاد البلاد إلى أزمة دقيقة، والتي استفحلت مع جائحة كورونا بسبب غياب الكفاءة، إلا أنه لم يخلق البديل الإيجابي".

أداء ضعيف

كذلك، رأى النائب السابق المستقل حاتم المليكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أداء قيس سعيّد خلال 3 أعوام مر بمرحلتين، مرحلة دامت تقريباً سنة و8 أشهر، التي مارس خلالها صلاحياته حسب دستور 2014، ولكن أداءه كان ضعيفاً ولم تكن هناك مساهمة هامة من الرئيس في تحسين الأوضاع العامة".

وتابع أنه "لوحظ الكثير من الاضطراب لدى سعيّد في اختيار رؤساء الحكومات والتفاوض حولهم. وعلى مستوى العلاقات الدولية، فإن سعيّد غير ناشط دبلوماسياً وتنقلاته محدودة"، مشيراً إلى أن "رئيس الجمهورية لم يكن يحضر غالبية الاجتماعات، صحيح كانت هناك أزمة فيروس كورونا، لكنّ هناك أسباباً تتعلق بطبيعة تكوينه، ومعرفته المحدودة بالدبلوماسية".

وبين أنه "على المستوى السياسي، فإن هناك عدة تحفظات على قرارات رئيس الجمهورية، وحتى على مستوى التواصل والخطاب، فقد تميز بالضعف الشديد"، مشيراً إلى أنه "لم يدل تقريباً بأي حوار ويكتفي ببعض الخطابات على صفحة الرئاسة".

ولاحظ المتحدث أن "رئيس الجمهورية تحمل مسؤولياته الحقيقية منذ 25 يوليو، وهي المرحلة الثانية في حكمه، فالدولة كانت تواجه خطراً كبيراً وهو خطر كورونا، ولكن الحكومة كانت عاجزة عن القيام بدورها، وكان الاحتقان الاجتماعي كبيراً خاصة على أداء الطبقة الحاكمة طيلة 10 سنوات، وبالتالي كان قرار إيقاف النزيف صائباً، وتحمل رئيس الجمهورية هذا الأمر، ولكن كان ذلك في حدود تلك اللحظة، أي بمعنى أن الأشهر التي تلت ذلك تميزت بارتكاب سعيّد عدة أخطاء جسيمة، منها المرسوم 117 الذي ألغى بموجبه قوانين الدولة وعزل بمقتضاه تونس إقليمياً ودولياً وداخلياً".

واعتبر المليكي أنه "رغم الصلاحيات الواسعة لسعيّد فإنه أدخل البلاد في ظرف استثنائي لم يكن له أي موجب، وهو ما أضر بمصالح تونس كثيراً".

وأوضح: "خلال تلك الأشهر، حصلت عدة أحداث، حيث جرت مراجعة الترقيم السيادي لتونس، ما خلق صعوبات في توريد المواد الأولية، وأُجبرنا على التعامل نقداً مع الموردين، وهو ما خلق صعوبات مالية، وحرم تونس من الخروج إلى الأسواق العالمية".

وبين أن "هذا كانت له عدة أضرار، ورئيس الجمهورية يتحمل المسؤولية الأكبر فيه لأنه لم يقم بما يجب فعله لتفادي الترقيم السلبي، بل قام بخطابات عدائية لمؤسسات مالية دولية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "التعامل مع تقرير لجنة البندقية، الذي تناول تغيير القانون الانتخابي وتعيين هيئة جديدة، سيبقى بدوره في الأرشيف وسيؤثر دوماً على صناع القرار دولياً، وكان بالإمكان التفاعل معه بطريفة أفضل وإيجابياً لتجنيب تونس العزلة الدولية".

وأشار إلى أن "هذا كان له تأثير في رفض عدة دول التعامل مع تونس على مستوى الاستثمار والتمويل"، مبيناً أن "الخطير حل المجلس الأعلى للقضاء وحل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من دون وضع حلول لتدعيم النزاهة والاستقلالية، ما جعل الأمر لا يتعدى الانتقام والتشفي، وهو ما أضر بسمعة القضاة وباستقلالية القضاء".

وأفاد المليكي بأن "سعيّد ارتكب أيضاً خطأ جسيماً عندما صدر قرار المحكمة الأفريقية ورفض التعليق عليه، ما ضر بمصالح تونس على المستوى الأفريقي ودولياً، لأن تونس ملزمة بقرار تلك المحكمة ووافقت على الاتفاقيات التي تجمعها بها، ما يجعلها خارج القانون".

ولاحظ أن "هناك ضعفا في إدارة الشأن العام، فسعيّد غير قادر على إنهاء أي ملف من الملفات، وفي أغلب الأحيان ينكر الوقائع، كملف البيئة في صفاقس، وتشغيل المعطلين عن العمل والمعلمين النواب والاحتكار. وبالتالي، كلما تعلق الأمر بملف اجتماعي، كانت قرارات سعيّد مجانبة للصواب، وعادة هو يحمّل المسؤولية لأطراف وهمية ومتآمرين، ما فاقم المشاكل".

ليس رجل سياسة

في المقابل، اعتبر الكاتب العام لحراك 25 يوليو كمال الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قيس سعيّد أكاديمي وليس رجل سياسة. ولذلك هو عرف ماذا يريد الشعب التونسي الذي كان في حاجة ماسة للتغيير، سواء على مستوى البرلمان أو الحياة السياسية"، مشيراً إلى أن "الرغبة واضحة من العديد من المواطنين في التخلص من شبح العشرية السوداء الماضية". 

وأفاد بأن "المشهد الجديد يتماشى تقريباً مع نظرية سعيّد، وما شد البعض نحو الرئيس أنه نزيه ونظيف، وهو ابن حي شعبي ومن عامة الناس، وهي المعطيات التي جلبت له تأييداً شعبياً من عدة فئات وخاصة منها الشباب، وظهر ذلك سواء في الانتخابات الرئاسية أو في بقية المحطات كالاستفتاء، وستدعم بقية المسار".

وأشار إلى أن "هذا لا ينفي أنه حصل بُطء في بعض الإجراءات، وكانت هناك ضغوطات من الداخل والخارج وحتى من قبل المعارضة، ولكن سعيّد يبقى رجل قانون ويحترم القانون. ولذلك قد يكون ترك عدة مسائل بيد القضاء".

وأشار إلى أن "سعيّد توجه رغم ذلك لفتح عدة ملفات عالقة، والتي هي نتاج عدة تراكمات"، مبيناً أن "هناك مرشحين للرئاسية لم يرجعوا بعد الأموال العمومية، وهو ما يفسر رفع التمويل العمومي في الانتخابات التشريعية القادمة. وكان القرار صائباً، فمن يريد الترشح عليه أن يساهم بالتمويلات الذاتية، وإذا نجح في الترشح يمكن منحه نسبة معينة مما أنفقه".

وقال إن "من يرى أن سعيّد لم يقم بالإصلاحات المطلوبة، فهو مخطئ، لأنه برغم أن هناك بطئاً، ولكن في مرحلة ما سيتم الوصول إلى ما يريده الشعب لأن الإصلاحات تتطلب الكثير من الوقت. وللأسف تم وضع أخطاء وتراكمات 10 سنوات على عاتق الرئيس، رغم أن الظرف عام والأزمة العالمية، والحرب بين روسيا وأوكرانيا كانت لها تداعيات على عدة بلدان. فالأزمة عالمية وأثرت في دول كبرى كفرنسا حيث نشاهد طوابير وفقداناً للوقود".

وأردف أن "سعيّد يجتهد لتحقيق ما يطمح إليه الشعب التونسي، وهذا يتطلب الكثير من الوقت. ولكن للأسف، التونسي لا يصبر فهو يريد تأمين الأساسيات، وهذا من حقه".

وأوضح أن "سعيّد لو لم يكن يؤمن بالديمقراطية والحرية لما فسح المجال أمام معارضيه للتعبير والتظاهر في الشارع ولنقد رئيس الجمهورية"، مؤكدا أن" هناك أشياء يفرضها الواقع والوضع السياسي والإقليمي، ولا يمكن تحميل رئيس الجمهورية تبعات كل شيء، مبينا أن الدعوات لتأجيل الانتخابات التشريعية ستكون خطوة إلى الوراء، لأنه من الضروري وضع مجلس تشريعي قريبا لأن قانون المالية على الأبواب، وهناك عدة قوانين لا بد من وضعها".

وتابع أن "هذا لا يعني أن كل شيء خلال هذه الفترة كان جيداً، فمثلاً كان بالإمكان إقرار تعديلات على مستوى القانون الانتخابي والحد من الشرط المجحف في التزكيات، لأنها قد تفتح المجال للمال الفاسد وأصحاب النفوذ، وبالتالي التعديلات كانت ستكون أفضل. وحصل سهو في تحديد الممنوعين من الترشح، وبالتالي توجد عدة مسائل كانت تستوجب المراجعة".

وحول تفرد سعيّد بالرأي، قال: "عشنا بعد ثورة عام 2011 كيف أن رئيس الجمهوريّة والنواب والحكومة، كل طرف تقريباً لديه نصف مفتاح ولا يمكنه العمل، وبالتالي تعطلنا وعشنا صعوبات ولم يكن باستطاعة أي طرف تسيير الدولة".

وأردف: "وفي نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لم تكن هناك ديمقراطية، ولكن الدولة قائمة، وبالتالي صلاحيات رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب يجب أن تكون واسعة، خاصة أنه هو الذي يعين رئيس الحكومة".

واعتبر أن "في تونس قيادة السفينة يجب أن تكون من قبل شخص واحد، وليس 3 أشخاص، وإلا فإنها ستغرق"، مستدركاً أنه "مع ذلك لا يسمح للرئيس بالتغول على الحكم، فهذا غير مقبول".

وكانت أحزاب عديدة أعلنت اعتزامها مقاطعة انتخابات برلمانية مبكرة في ديسمبر/كانون الأول المقبل، دعا إليها الرئيس التونسي قيس سعيّد ضمن سلسلة إجراءات استثنائية بدأ فرضها منذ 25 يوليو/ تموز 2021.

وهذه الإجراءات تضمنت أيضاً إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو الماضي.

وتعتبر قوى تونسية تلك الإجراءات "انقلابا على دستور 2014 وتكريساً لحكم فرديّ مطلق".