أجواء مشحونة بين بروكسل ولندن ترافق مفاوضات ما بعد "بريكست"

أجواء مشحونة بين بروكسل ولندن ترافق مفاوضات ما بعد "بريكست"

16 أكتوبر 2020
المفاوضات تطغى عليها خلافات كثيرة (الأناضول)
+ الخط -

طلب القادة الأوروبيون من بريطانيا، الخميس، تقديم تنازلات حول قواعد التجارة المنصفة لكسر جمود مفاوضات ما بعد "بريكست"، الأمر الذي أثار غضباً في لندن ويهدد مصير المحادثات.

وأعرب قادة الدول الأعضاء الـ27 في بروكسل عن تفاؤل حذر، لكنهم حثوا مؤسسات الاتحاد والدول الأعضاء في خلاصاتهم المكتوبة على مضاعفة الاستعدادات لخروج بريطاني "دون صفقة".

لكنهم مع ذلك وجهوا دعوة إلى بريطانيا لمواصلة المباحثات، الأسبوع المقبل، في لندن، والأسبوع التالي له في بروكسل.

وقال كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه عقب حديثه مع القادة: "اعتباراً من الغد سأتحدث مع نظيري ديفيد فروست. سنكون في لندن الإثنين الأسبوع بأكمله، بما في ذلك نهاية الأسبوع إن اقتضى الأمر". وأضاف: "هذا ما اقترحته على الفريق البريطاني".

وجاءت الدعوة الأوروبية عقب إصدار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تحذيراً حول إمكانية الانسحاب من المفاوضات ما لم تمهّد نتائج القمة الأوروبية لانفراجة. لكن لم يلق الاتحاد الأوروبي بالاً للتحذير، وحمّل جونسون مسؤولية الوصول إلى اتفاق قبل نفاد الوقت.

وبنبرة غير معهودة، قال كبير المفاوضين البريطانيين ديفيد فروست، الخميس، إنّ بلده يشعر بـ"خيبة أمل إزاء خلاصات القمة الأوروبية" حول المفاوضات التجارية لما بعد "بريكست"، مضيفاً أنه "متفاجئ بأنّ الاتحاد الأوروبي لم يعد ملتزماً بالعمل المكثّف" للوصول إلى اتفاق ومن طلب دول التكتل أن تبذل لندن جهوداً إضافية، مشيراً إلى أنّ جونسون سيحدّد الخطوات التالية الجمعة.

لكنّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعت، مساء الخميس، كلاً من بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى تقديم تنازلات لإنجاح المفاوضات.

وقالت ميركل في ختام اليوم الأول من القمّة الأوروبية في بروكسل: "لقد طلبنا من بريطانيا أن تظلّ منفتحة على تقديم تنازلات للتوصّل إلى اتّفاق. بالطبع هذا يعني أنّه يتعيّن علينا نحن أيضاً أن نقدّم تنازلات"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ هذا لا يعني تخلّي كل طرف عن "خطوطه الحمراء".

"تسوية جيدة"
شهدت الأجواء توتراً رغم ما أبداه الأوروبيون من انفتاح على تقديم تنازلات في ملف الصيد البحري الذي يمثل أحد أهم الخطوط الحمر لهم.

ولمّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إمكانية تقديم تنازلات حول حقوق الصيد، وقال إنه منفتح على إيجاد "تسوية جيدة" تضمن للصيادين الفرنسيين حق النشاط في المياه البريطانية.

ويمثّل إصرار فرنسا ودول أوروبية أخرى شمالي القارة على حق النشاط في مياه المملكة المتحدة حجر عثرة في المفاوضات حتى الآن.

وقال بارنييه في هذا الصدد: "نعلم أنّ علينا بذل جهود. يجب أن تكون هذه الجهود معقولة".

وحاول القادة الأوروبيون إبقاء ملف "بريكست" خارج جدول أعمال قممهم الأخيرة، لكن طلب منهم الخميس إبقاء هواتفهم خارج غرفة الاجتماعات، في إشارة إلى أهمية الموضوع وحساسيته.

ولا يعرض البيان الرسمي للقمة سوى القليل على جونسون، كما حذفت منه جملة كانت موجودة في مسوّدة سابقة، تدعو بارنييه إلى "تكثيف" النقاشات مع فروست.

وسبق أن نبهت المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين جونسون، في اتصال هاتفي، عشية القمة، إلى أنه "لا يزال يوجد الكثير من العمل أمامنا"، وأضافت أن بروكسل ترغب في الوصول إلى اتفاق لكن "ليس بأي ثمن".

وفي تحوّل مفاجئ، اضطرت فون دير لاين إلى مغادرة القمة الأوروبية والدخول في حجر صحي عقب اكتشاف إصابة أحد أعضاء فريقها بفيروس كورونا.

"نفق دبلوماسي"
وقال بارنييه إنّ المحادثات يمكن أن تتواصل حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، وهو التاريخ التقريبي الذي وضعه الاتحاد الأوروبي حتى يترك وقتاً كافياً ليصادق البرلمان على الاتفاق قبل انتهاء الفترة الانتقالية لـ"بريكست"، في 31 ديسمبر/ كانون الأول.

لكن الجانب البريطاني اتهم بروكسل بمحاولة فرض تنازلات عليه عبر تضييع الوقت.

وقال دبلوماسيون في الأيام الأخيرة إنّ بريطانيا قامت ببعض الخطوات، لكنها غير كافية، ما يدخل المفاوضين في "نفق دبلوماسي" لفرض تنازلات قبيل انتهاء الفترة الانتقالية.

"المنافسة المنصفة"
غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، في 31 يناير/ كانون الثاني، لكن انخرط بارنييه وفروست لأشهر في مفاوضات غير مثمرة حول اتفاق ينظم التجارة عقب المرحلة الانتقالية. وفي حال عدم التوصل لاتفاق، سيتم تطبيق قواعد منظمة التجارة العالمية.

ويشدد الطرفان على جهوزيتهما لتطبيق تلك القواعد، وأنهما يفضلانها على توقيع اتفاق سيئ، لكن يحذر خبراء من نتائج سلبية في حال اللجوء إليها.

وتتعلق مخاوف أوروبا بثلاث مسائل أساسية، هي قواعد المنافسة المنصفة وطريقة مراقبة تطبيقها وضمان حق الصيد في المياه البريطانية.

من ناحيتها، تسعى بريطانيا لاستعادة سيادتها على مياهها، وترفض إشراف الاتحاد الأوروبي قانونيا على الصفقة، وتشدد على أنها تريد اتفاق تجارة بسيطاً شبيهاً بالاتفاق الذي وقعه التكتّل مع كندا.

لكن بروكسل تشدد على أن اقتصاد بريطانيا أكثر اندماجا بكثير في الاقتصاد الأوروبي، علاوة على قربها الجغرافي، وبالتالي توجد ضرورة لحماية سوقها الموحدة.

من جهتها، اعتبرت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد الخميس أن الرهانات العالية حول اقتصاد ما بعد بركسيت ترجح التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.

وقالت المسؤولة، خلال نقاش حول الاقتصاد العالمي في الاجتماعات السنوية الافتراضية لصندوق النقد الدولي: "إذا احتسبنا الضرر الذي ستتكبده المملكة المتحدة من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية في حال عدم التوصل لاتفاق، فيصير من الواضح أنه من الضروري التوصل لاتفاق".

وأضافت أنها متفائلة، حتى وإن جرى توقيع الاتفاق "ثلاث دقائق قبل منتصف الليل"، في آخر يوم من الفترة الانتقالية.


(فرانس برس)