المرأة السعودية: سأقود سيارتي بنفسي

المرأة السعودية: سأقود سيارتي بنفسي

14 أكتوبر 2014

لم تُفلح المرأة السعودية في تحقيق حلم قيادتها سيارتها(19نوفمبر/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

لا تقف المرأة السعودية خلف الرجل بخانة واحدة، بل هي مسافة قانونية وحقوقية شاسعة تفصل بينهما، ويعود الفضل في هذا التمييز المجحف بحقها إلى المدونة الدينية الوهابية المشرعة للقوانين في المملكة، ولأعراف اجتماعية موغلة في القدم، يتم استجلابها لمقاومة الإصلاح.

عاودت، الأسبوع الجاري، ناشطات سعوديات إطلاق حملة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، من أجل تذكير المجتمع السعودي، والعالم أجمع، بحقهن في قيادة السيارة، من خلال تدشين وسم "سأقود سيارتي بنفسي". وهو حق لم يعد مسلوباً من امرأة على وجه الكرة الأرضية، باستثناء المرأة السعودية التي تعامل كقاصر (ناقصة الأهلية)، مهما بلغت من العمر والعلم، وهي ما زالت تُعاني الأمرّين مع وسائل المواصلات في حياتها اليومية؛ بسبب منعها من حق حرية التنقل، وقيادتها سيارتها الخاصة، وهو حق يبدو بديهيًا بموازين هذا العصر. لكن، على الرغم من تفوق المرأة السعودية العلمي الواضح، وحصولها على أعلى الدرجات الأكاديمية، ووصولها إلى مناصب قيادية معتبرة في القطاعين، العام والخاص، إلا أنها لم تُفلح في تحقيق حلم قيادة سيارتها بنفسها.

أربعة وعشرون عاماً مضت على الكسر الأول لحظر قيادة المرأة السيارة في السعودية، حينما خرجت الدكتورة عائشة المانع، ومعها ناشطات وحقوقيات، بسياراتهن، في شوارع الرياض، تحدياً للمنع الذي طالما أحالته السلطات الرسمية لتمنُّع المجتمع. وفي هذا الكلام بعض الوجاهة، لكنه لا يعني، في جميع الأحوال، تنصل الحكومة عن مسؤوليتها المباشرة عن حالة التمييز التي تتعرض لها المرأة السعودية. في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حظيت حملة قيادة المرأة السيارة بتوقيع 17 ألف متضامن، وبتفاعل كبير من النخبة الثقافية في الوطن، لكن الحملة تم وأدها حكومياً، بما يعني أن قرار المنع حكومي بامتياز، فقد أصدرت وزارة الداخلية بيان تحذير للنساء العازمات على النزول بسياراتهن للشوارع، كما جاء في تقريرٍ، أعده موقع "التقرير" بتفصيلٍ كثير في ملف خاص بعنوان "الحراك النسوي السعودي وصراع الإيديولوجيات" للصحافية بسمة حجازي، فقد أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن لا علاقة للقرار بالممانعة الاجتماعية، بل قد يكون لعدة أسباب، منها: ترضية التيار الديني المتطرف داخل المملكة، أو هناك من يحيله إلى دوائر مصالح تتعلق بتجارة التأشيرات واستقدام العمالة المنزلية، وآخرون يرجعونه إلى قضايا سياسية، مثل منع فتح الباب لتحصيل أي مطالب حقوقية بالضغط الميداني.

تقتضي الإشارة، هنا، إلى أن شرارة الحملة الجديدة لقيادة المرأة انطلقت في العام 2011، وقد تعرضت على إثرها الناشطة والكاتبة، منال الشريف، للإيقاف تسعة أيام، على خلفية قيادتها سيارتها، وظهورها في تسجيل مصور على قنوات تلفزيونية عالمية، لكن قضية قيادة المرأة للسيارة ليست إلا قمة جبل الجليد الذي يُخفي حزمة من التمييز، تتعرض لها المرأة السعودية باسم الدين والتقاليد الاجتماعية، تحت بند نظام "ولي الأمر"؛ وهو الرجل الذي يمثل المرأة شخصياً وقانونياً، وقد يكون الأب، أو الزوج لاحقاً، أو أحد الأبناء مستقبلاً في حالة وفاة الأب أو الزوج، ومن خلاله تتعامل الدولة مع المرأة، والذي أدى، في حالات كثيرة، إلى حرمان وضياع كثير من حقوقها القانونية، لصالح "ولي الأمر" الذي لا يعترف القضاء بوجودها في حالة غيابه، حتى لو كانت القضية مرفوعة ضده.

ولتقريب الصورة أكثر، هو نظام يشبه إلى حدٍّ ما نظام الكفيل بالنسبة للأجنبي في دول الخليج. ولكن، إحقاقاً للحق، فإن تعديلاتٍ كثيرة أجريت عليه، في السنوات الماضية، لصالح المزيد من استقلال المرأة.

يُلخّص ما سبق أن المرأة السعودية مرت بعقباتٍ كثيرة، وضعت في طريقها، على يد المشرّع الديني الذي تعتمده المملكة في تشريع القوانين، فقد عمَدَ هذا التيار إلى محاربة إدماج النساء في الحياة الاجتماعية، وحصر وظيفتها برعاية شؤون المنزل، فمنذ قرار الحكومة السماح بتعليم المرأة، والمعارضة لم تتوقف، فقد قدم وفد من العلماء إلى قصر الملك سعود، معترضين على القرار، ومن أجل الضغط عليه لثنيه عن هذه الخطوة، لكن الملك أقنع العلماء بأن التعليم سيلتزم بالشريعة الإسلامية، وسيكون تحت إشراف العلماء، من خلال الرئاسة العامة لتعليم البنات التي سُلمت إدارتها إلى علماء الدين، قبل أن تدمج بسبب مشكلاتها الكثيرة في عهد الملك عبد الله ضمن وزارة التعليم.

لكن، للإنصاف، قدمت الدولة، في السنوات الأخيرة، خطوات مهمة في طريق تعزيز حضور المرأة في المجال العام، فقد دعمت فكرة "تمكين المرأة" بدخولها مجلس الشورى، وكذلك سياسات وزارة العمل التي قادها وزير العمل، عادل فقيه، حيث فتحت الوزارة الباب لتوظيف النساء، بتأنيث وظائف كانت ممنوعة على المرأة سابقاً، وتشجيع القطاع الخاص على توظيف العنصر النسائي، وتعتبر مثل هذه الخطوات الإصلاحية في الجانب الاقتصادي عاملاً مهماً، سوف يساعد على تحرير المرأة من العوز، ويضيف لها عنصر قوة في سبيل استقلالها.

ليست قضية قيادة المرأة السعودية السيارة، على أهميتها، إلا الصرخة المسموعة بشأن انتهاكات حقوقية وقانونية مغيبة تتعرض لها المرأة، مع أن حزمة الإصلاحات الأخيرة التي نفذتها الحكومة ساهمت في تعزيز مكانة المرأة في المملكة، غير أنها لم تفلح، حتى الآن، في رفع حالة التمييز التي تتعرض له المرأة السعودية، فهي ما زالت رهينة نظام ينظر إليها ناقصةَ أهليةٍ.

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"