عيد الشهداء والثكالى

عيد الشهداء والثكالى

07 أكتوبر 2014
+ الخط -

في رائعة "مائة عام من العزلة" للكاتب الكولومبي، غابرييل غارسيا ماركيز، تبدو ماكوندو القرية المعزولة بسكانها، والغريبة بالحوادث التي أصابت أصحابها، أشبه بغزة المعزولة قسراً، "فماكوندو" شاءت الأقدار أن تعزل، وسكانها ارتضوا العزلة، وعلى الرغم من محاولات عديدة لعائلة بوينديا، الشخصية الرئيسية في القصة، بأفرادها الخروج من هذه العزلة، والحوادث الأليمة التي أصابت العائلة وسلالاتها المتعاقبة، إلا أن الجميع عاد إلى "ماكوندو"، وبقيت "أورسولا" الأم الحنون لكل أفراد العائلة الشخصية الجامعة، والمنقذة في الآن نفسه، لعائلة بوينديا، لكن، في النهاية، إلى متى تحيا أورسولا.

"أورسولا" تفتقدها غزة، فغزة تفتقد جامعة عربية، وحاضنة عربية، ومؤسسات عربية، تحنو على غزة، وتضمد جراحها، وتنقذ أهلها، وتبث فيها روح الحياة والعزيمة من جديد. لكن، هل ماتت أورسولتنا؟ إن الأمطار التي تساقطت على "ماكوندو" أربع سنوات متواصلة، ومرض النسيان الذي أصاب أهلها لم يؤثر في خروج أهلها منها، بل هرب منها الغرباء، وكذلك غزة التي أمطرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بمئات الأطنان من المتفجرات، لم ينسوا من خلالها بلدهم وقضيتهم، بل أخطأ مرض النسيان أهل غزة، وأصاب العرب جميعا، فدخلوا في سبات عميق، وتخلوا عنها، وهربوا من مسؤولياتهم تجاهها.

ويمر عيد الأضحى كما مر سلفه عيد الفطر، تحت وقع المآسي، فبعد أن وضعت الحرب أوزارها، فقد نحو ثلاثين ألفا من الغزيين وظائفهم بشكل مباشر، ليرتفع عدد العاطلين عن العمل إلى 200 ألف، يعيلون نحو 900 ألف، وبدل أن يبدأ الغزيون عيدهم بفرحة، لم يقبض الموظفون رواتبهم قبل العيد، فالغزيون بانتظار سلفة على الحساب قبل نهاية الشهرالحالي. ونحن نتحدث عن 45 ألف موظف وظفوا في عهد حكومة حماس، يعيلون آلاف الأفراد، ستساهم قطر باتفاق مع الأمم المتحدة لتسديد هذه الدفعات، كما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمد الله، لكن لماذا التأخير؟ السبب، بكل بساطة، متعلق بالسلطة والأمم المتحدة.

قصص كثيرة من أحزان غزة تناقلتها وسائل الإعلام، فالطفل محمد شحاتة، البالغ 11 عاما، فقد والده عمله في مصنع في غزة  بسبب الحرب الأخيرة، يتحدث بلوعة عن انتظاره العيد ليشتري ثيابا جديدة، فوالده لم يستطع شراء ملابس جديدة له ولإخوته من قبل، فالعيد هو المناسبة لتحقيق هذه الأمنية. لكن، للأسف، والده عاطل عن العمل، وكانت النتيجة وردة الفعل المحزنة "لن أخرج من البيت طوال الأيام الأربعة المقبلة من العيد".

خالد الجمال، أب لثلاثة أطفال، اعتاد أن يرسم البسمة والبهجة على شفاه أبنائه وقلوبهم، يقول في حزن شديد "لن أستطيع ذلك في هذا العيد"، أما ختام الجمال، وهي التي اعتادت سنوات أن تعد كعك العيد، زوجها لم يقبض راتبه منذ خمسة أشهر، بسبب الخلاف بين فتح وحماس حول الموظفين في عهدها، جاءت الحرب لتزيد المصائب مصيبة، فلم تصنع كعك العيد، وحرم أبناؤها طعمه، أما بائع الملابس، عصام الصوافرة، فيزفر بيأس "الوضع يزداد سوءا يوما بعد آخر".

هو عيد. لكن، ليس كسائر الأعياد، يمر بفقدان الأحبة، والحزن يغمر قلوب الأمهات والآباء والأطفال، هي فرحة يغالبها الألم، تنتظر فرجا لعله يكون قريبا.

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)