"داعش" وحروب الشرق الأوسط

"داعش" وحروب الشرق الأوسط

08 أكتوبر 2014

إحدى طائرات التحالف الدولي تتحضر للانطلاق من قبرص (2أكتوبر/2014/Getty)

+ الخط -

الحرب على "داعش"، وبعد أن بدأت الانتقادات توجه لمآلات مئات الضربات من طائرات أميركية وفرنسية وبريطانية وأسترالية وبلجيكية، وغيرها من طائرات التحالف على أهداف للتنظيم المذكور في سورية والعراق، يبدو أنها ستكون بطيئة وطويلة وصعبة فعلاً؛ ذلك أن استراتيجية القتال المعتمدة في هذه الحرب، وكما أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، ألغت، وبشكل واضح، كل الدروس المستنبطة من حروب خاضتها واشنطن في فيتنام وأفغانستان والعراق، بالإضافة إلى ضرباتها الجوية لتنظيم القاعدة في اليمن. كما تعمدت واشنطن وضع مستقبل التنمية والاستقرار في بعض دول المنطقة على دكة الانتظار إلى أجل غير محدود، كونها باتت جزءاً من هذه الحرب، وقاعدة تموين وإسناد ودعم لوجستي لطائراتها وقواتها التي تمسك زمام إدارة ملفات المواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية، بما تفرضه هذه الحالة من تقييد لزعامات عديدة، بذريعة الحرب وأمن المنطقة والعالم.

بدأت الحرب الجوية على "داعش" من دون أن يكون هناك تأثير واضح على الأرض، ففعاليات هذا التنظيم ما زالت نشطة، ومازال مقاتلوه يحققون نجاحات هنا أو هناك، في سورية والعراق، مما أوجد إشكالية يرى مراقبون كثيرون أنها خطيرة، أساسها وجود حالة من عدم الثقة لدى شعوب المنطقة تجاه سياسات الولايات المتحدة. وفي موضوع "داعش" تحديداً، تعاملت واشنطن بمكيالين واضحين، أولهما سكوتها عن فظاعات ارتكبها التنظيم وسواه في مدن سورية عديدة في العامين الماضيين، وثانيهما تحركها (أي واشنطن)، وسعيها إلى تحريك العالم معها، عندما اصطدم هذا التنظيم بحدود كردستان العراق، بما تعنيه من مصالح أميركية وغربية وإسرائيلية أيضاً.

ويعتقد بناءً على تجربة المنطقة العربية مع سلوكيات واشنطن في حربها في العراق تحديداً، أن طول فترة الحرب ستشكل عناصر ضغط شعبية هائلة على دول عديدة في المنطقة، قد تثير معها أسئلة كثيرة بشأن مدى قدرة هذه الدول على التعاون المطلق مع القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، لوجستيا وعملياتياً، وكذلك قدرتها على تحمل فاتورة هذه الحرب، والتي فرض على دول بعينها في المنطقة أن توفرها. ومن ثم قدرتها على الصمود كـ(دول)، أمام حالة القلق الشعبي المتزايد من مآلات هذه الحرب وإفرازاتها على مستقبلهم ومستقبل الأجيال المقبلة.

تشير الأوضاع وردود الأفعال إلى أن الحرب على "داعش" ستكون سبباً في ولادة حروب جديدة في المنطقة، ويعتقد، بوضوح، أن هناك دلالات لهذه الحروب، بدأت تظهر جلياً في تصاعد الدور التركي في هذه الحرب، وبروز الأكراد في سورية والعراق وتركيا كقوة عسكرية وحيدة منظمة، تواجه "داعش" على الأرض، ثم انقشاع الهالة التي حاول الغرب إضفاءها على الحكومة العراقية الجديدة، برئاسة حيدر العبادي، لتظهر ضعفاً في الأداء وغياب القدرة على اتخاذ القرار واستمرار النقمة الشعبية على السياسات الطائفية، المتبعة هناك منذ عشر سنوات. يضاف إلى هذا الدور الإيراني الذي يتحرك على الأرض من جهة، ويراقب عن كثب تحركات أنقرة والرياض من جهة أخرى، مع ما سيفرزه ولوج الأردن ولبنان، وربما مصر، في دائرة الصراع من توسيع لهذه الحرب وتعقيد أكبر لأطرافها.

ووجدت صحيفة ''جلوب أند ميل'' الكندية تبريراً للتحالفات الجديدة في الشرق الأوسط؛ فكتبت افتتاحية لها أن "العالم يواجه حالياً عدواً، يدفعه إلى تكوين أحزاب وتحالفات قوية جداً لمحاربته"، مشيرة إلى "تعاون الولايات المتحدة مع حزب الله، إيران، العراق، أوروبا، كندا، تركيا، والأكراد، ضد داعش"، وتؤكد الصحيفة أن لـ"داعش فضلا على إيران، حيث كانت سبباً في إخراجها من عزلتها، ولجوء واشنطن لمحادثات مباشرة معها". لكن هل ستنجح هذه التحالفات في جعل جميع الفرقاء في مركب مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، متجاوزين حساسيات تاريخية واستراتيجية تحكم موازين العلاقات بينهم؟ بالطبع، هذا مشكوك فيه إلى حد كبير؛ فتركيا التي بدأت تقترب كثيراً من موضوع التدخل البري المباشر في سورية والعراق لمواجهة الإرهاب ومحاربته، لا يمكن بأي حال أن تقبل به إيران التي باتت تعتبر البلدين مناطق نفوذ مباشر لها. كما أن أي ولوج تركي، أو سعودي، في سورية والعراق، يعتبر (بحسب طهران) تقاطعا مع مشروع "تصدير الثورة" ونجاحها في تكريسه إلى حد واضح، خصوصاً بعد احتلال العراق عام 2003. وقد حذّر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنقرة، فعلاً، من زياده تفاقم الوضع في الشرق الأوسط  بعد قرار البرلمان التركي السماح بالتدخل عسكرياً في سورية والعراق، وشدد على أنه "في الوضع الحالي، على دول المنطقة التحرك بمسؤولية، وتفادي الإسهام في زياده تفاقم الوضع".

ستكون "داعش" التي اكتسبت الكثير من قوتها من أخطاء الآخرين، وما زالت، سبباً مباشراً لحروبٍ عديدة في الشرق الأوسط، وستتأثر بإفرازات هذه الحروب دول كثيرة غربية وشرقية. نعم، فقد وجدت كل التنظيمات (الجهادية) ضالتها في هذا التنظيم، لأسباب عديدة، منها أنه ضرب على وتر حساس جداً، يتعلق بفترة أمجاد الأمة الحاضرة في وجدان كل مسلم، وهي فترة الخلافة الإسلامية، فأعلنت نفسها دولة الخلافة الإسلامية (الواجبة الاتباع والبيعة). ثم وظفت "داعش" تقنيات الإعلام، لإيصال رسائلها المعدة جيداً إلى كل مكان في العالم. وسبب آخر، هو عدم معالجة أسباب ظهور هذه التنظيمات المتطرفة؛ فالفقر وانعدام العدالة الاجتماعية والبطالة وكبت الحريات وغيرها ما زالت موجودة في دول إسلامية كثيرة. يضاف إلى ذلك ما يخطط دولياً، لإشغال المنطقة بأيدلوجية ضرب الإسلام ببعضه، وهدر الموارد في حروب مفتعلة، بما يفضي إلى إفقاد القوى الكبرى فيها قدرتها على الفعل المؤثر دولياً. وربما يكون أهم الأسباب فيما يتعلق بالعراق وسورية الهيمنة الإيرانية على مقدرات الأمور هناك، وإذلال الشعب العربي فيهما، بما عمّق الفارق المذهبي الذي تسعى طهران إلى تكريسه وتغييره لصالحها، وبما يسّر كذلك لتكوين حاضناتٍ شعبية لتنظيم الدولة الإسلامية في البلدين، وانضمام أعداد كبيرة من الشباب والقادة العسكريين الملاحقين من المليشيات الإيرانية (بعد احتلال العراق 2003)، والذين أضافوا الكثير من التكتيك القتالي للتنظيم.

سر قوة "داعش" هو قدرتها على جذب المتطوعين للعمل معها من كل أنحاء العالم. وبحسب تصريح الأمين العام للبيت الأبيض، دنيس ماكدونو، لشبكة "إن بي سي" فإن "الأمر لن يكون سهلا"، لكنه أكد أن "واشنطن ستحارب مع حلفائها داعش على أرضها". وحتى اللحظة، فإن الحليف الوحيد لواشنطن على الأرض، ويمكنها الاعتماد عليه، هم الأكراد الذين يجدون أنفسهم في موقف سياسي وعسكري خطير جداً، بعد تداخل خنادقهم في سورية والعراق وتركيا التي طالبت بإنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سورية، تخوفا من تدفق مقاتلي حزب العمال الكردي التركي إلى سورية، وبالتالي، إعادة روح القتال والتمرد إلى الجنوب التركي الذي بذل الرئيس رجب طيب أردوغان الكثير من أجل استقراره. ومع تزايد احتمالية التدخل التركي في سورية والعراق، تتزايد معها احتمالية الصدام التركي – الكردي، لإعادة تثبيت واقع جديد، يحد من طموحات الأكراد التي تجاوزت، فيما يبدو، الحدود المسموح بها لدى أنقرة.

والتحالف الدولي الذي تشكل لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية فرضته الضرورة، وليس القناعات والسياسات. لذلك، تبقى كل الاحتمالات موجودة على الطاولة وتحتها، بدءاً من احتماليات الحرب الأهلية في العراق وسورية ولبنان واليمن التي أصبحت وكأنها صمام أمان وعنصر مساومة للوجود الإيراني في العراق والشام، بعد سيطرة حلفائها الحوثيين على صنعاء، ثم الحرب التركية المركبة (السورية– العراقية- الإيرانية)، وكذلك حرب الأكراد، وحرب لبنان، سواء مع حزب الله أو مع الجيش اللبناني، وحرب تمتد من باكستان وحتى الشام، من خلال أفواج الذين سيتطوعون تلبية لدعوة حركة طالبان لنصرة (الخليفة)، إضافة، بالطبع، إلى الحرب المركزية على الإرهاب، والتي ستكون بين مقاتلي "داعش" والقوى التي ستكون على الأرض فعلاً لمواجهتها. وقد تكون هناك امتدادات أكبر من هذه الخارطة المتوقعة لحروب الشرق الأوسط المقبلة، والتي ستفضي إلى متغيرات كبيرة، وتقسيم للموجود حالياً، على أسسٍ، ربما لن تعيد خريطة المكان كما كانت قبل عام من هذا التاريخ.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن