الجنرال حينما يفلس

الجنرال حينما يفلس

07 مايو 2020
+ الخط -
في زمن كورونا، كثر الفلس في شرق البلاد وغربها، وبدأ الخرف واضحا على كل القرارات والتصريحات، وطلب التفويض من الشعب المطيّة.
هل بدأت الحقائق والمصائب والحوائج والجوائح في محاسبة الجنرالات، وفضح عنترياتهم الكاذبة، بعدما صارت إسرائيل الحاكم الآمر لأغلب جيوشنا علنا أو خفاءً؟ وصارت الشعوب التي كم تغنّوا لها مجرّد مطايا لتحقيق أحلامهم الذاتية، بعيدا عن التراب الوطني والكلام القديم الذي فقد صلاحيته لديهم نظريا وعمليا.
هل ساعدت الجائحة الأخيرة على إظهار ما في باطن القدِر (بكسر الدال) من عتهٍ كان مؤجّلا إلى لحظات الانهيار السريع الذي نشهده اقتصاديا وسياسيا بشكل جلي. هل بات الجنرالات، والعرب خصوصا، في بؤرة الانهزام الداخلي الذي لا يجدي معه قرار إلجام أو تفويض أو حظر تجول أو طوارئ أو استدانات من بنك فرعي أو دولي.
اشترى الجنرالات أسلحة كثيرة من التي لا تستخدم إلا في التشريفات والتخويف، ودفعوا الكثير نظير تحسين الصورة للغرب، وجاءت كورونا فعرّت الجميع، حتى كل هذه الأسلحة لم تُغنهم عن بناء السجون والقتل والاعتقالات اليومية والاختفاء القسري، وغلق آلاف المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، وترك البقية لمواضيع الهلس والتسلية والشتائم الليلية بأنفارٍ معتمدين لديهم، حتى جاءت كورونا فأثبتت قلة حيلة الجميع، بمن فيهم ساداتهم في واشنطن.
انطفأ مفعول الرصاصة، وحضر دور الدواء والطبيب والمصل والممرّض، بعدما أفقروا شباب الخرّيجين من الأطباء، فلم يجدو أمامهم سوى الهرب إلى الخارج أو الهجرة نهائيا. هل كانت كورونا إيذانا بفضح دول الجنرالات، بعدما امتلأت الشوارع والميادين وساحات الأحياء بصفوف الدبابات وفرغت المستشفيات من مستلزماتها الضرورية، وساقوا لنا جنرالا اسمه عبد العاطي، يسحب كل سرطانات الجسم وفيروساته، ويعطي المريض سيخا من الكفتة، ويفكّر الآن في الطحينة.
هل دقّت الأجراس أخطارها حينما باتت العمالة الوافدة عالقةً في كل الدول، في الأردن والإمارات والكويت وغيرها، من دون أن تستطيع دولة الجنرالات التي كان شعارها "مسافة السكة" أن تعيد هؤلاء العالقين إلى أسرهم، على الرغم من أن هؤلاء، بشهادتهم هم، دفعوا إلى بنوكهم غير المهتمة إلا بشراء السلاح، ما يوازي 26 مليار دولار في سنة 2019، وكان الرّد هكذا من الرئيس "إحنا والله مش ناسيينكم". وعلى الرغم من ذلك، انطلقت مسلسلاتهم الدعائية وعجائز الممثلات اللائي يمتلكن الملايين، إرضاء لخواطرهن "من جلسة البيوت بلا عمل".
هل كشفت كورونا أن أحمد المسماري كان يكذب حينما دخل طرابلس من شهور وأكل فيها العيش والملح، وفجأة طُرد من سبع مدن، وما زال الرجل يكذب، حتى ضرب الجنون بالقائد نفسه مضربا صبيانيا، فأعلن، هو الآخر، طلب التفويض كسابقه تماما (كتالوغ واحد بليد معتمد)، وأخذ التفويض وهو على الوسادة من خياله في المرآة.
هل كشفت كورونا خرف الجنرالات؟ وأن فكرة صدارة المشهد بالرصاصة باتت حِمْلا عليهم، بعدما بانت الحاجة على وجوه الشعوب التي اتخذوها مطيّةً منذ أكثر من نصف قرن. هل باتت البرلمانات التي صنعوها، والأحزاب التي صنعوها من العجوة، والمذيعون الذين صنعوهم في أروقة الأجهزة الأمنية مقابل الملايين، حِملا ثقيلا على ميزانياتهم، بعدما كشفت كورونا فلسهم، إثر توقف الطيران وتوقفت عوائد السياحة تماما، وقلّت تحويلات الخارج، والصادرات نقصت إلى النصف.
هل كان لا بد من كورونا كي يعرف الجنرالات أنهم عطّلوا قدرات شعوبهم بالقمع والسجون (تصور دولة بها 1500 من خيرة أطبائها في السجون والمعتقلات)؟ .. ابتلع الجنرالات الدولة المدنية ومكتسباتها في كروشهم، وتحت سيوفهم ونجومهم وكتاباتهم، فصارت دولةً تخدم جيشا يحكم ويستبد، ولا يشتري السلاح إلا لتأديب المواطن، بعدما صارت الضرائب تمثل 80% من مجمل الميزانية، علاوة على الجباية والمخالفات وبيع حتى المباني القديمة والوقف.
نحن أمام جائحةٍ أخرى تقابلت مع جائحة كورونا، فكشفت لنا بجلاء أن الأسلحة لا تحمي لا حفتر ولا حتى بعزق، سواء أخذ التفويض من محل أبو طارق، أو وهو في السرير يحلم بالهيمنة على عرش البلاد التي حوّلوها إلى خراب.