من يستهدف السفن قبالة الموانئ الجنوبية لليمن؟

من يستهدف السفن قبالة الموانئ الجنوبية لليمن؟

23 مايو 2020
+ الخط -
أثار تعرّض سفينة تجارية تحمل العلم البريطاني لهجوم من مسلَّحِين على متن زورقين، بينما كانت مبحرة على بعد 80 ميلاً من ميناء المُكلَّا اليمني في حضرموت (الساحل)، أواسط شهر مايو/ أيار الحالي، جدلاً واسعاً بشأن طبيعة الحادثة، وتوقيتها، وجنسية السفينة، وارتباط ذلك بالصراع المسلح بين المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) والحكومة الشرعية، والذي تدور معاركه في مناطق مشاطئة لخليج عدن، والمحيط الهندي، خصوصا محافظة أبْيَن، في محاولة من الحكومية لاستعادة السيطرة على محافظة عدن.
أبعاد عودة التهديدات الأمنية في خليج عدن، على نمط العملية أعلاه، بعد تراجع ذلك خلال السنوات الخمس الماضية، لن تفسّر في إطار الأهداف التقليدية للقراصنة التي شهدتها أواسط العقد الماضي، بل وفي أطر أخرى، سياسية، وجيوسياسية، يتعلق جزء كبير منها بالصراع الدائر الآن، جنوبي اليمن، وذلك على غرار ما قيل بشأن الهجمات التي تعرّضت لها سفن تجارية قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي، في مايو/ أيار 2019.
ملفت للنظر أن توقيت الحادثة جاء بعد ثلاثة أسابيع من تاريخ إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي 
المدعوم إماراتياً، عن الإدارة الذاتية في المحافظات الجنوبية، في أواخر إبريل/ نيسان المنصرم، ومسارعته إلى السيطرة على مصلحة (هيئة) خفر السواحل اليمنية، وقطعها البحرية، في إطار تنفيذه الإدارة الذاتية، فضلاً عن تحكّمه في قاعدة عدن البحرية التي يناط بها، عبر ما تبقى لديها من سفن وزوارق حربية، القيام بمهمات حفظ الأمن في البحر الإقليمي اليمني في خليج عدن.
تفسير اختيار الهدف، ليكون سفينة تحمل العلم البريطاني، لا يُستبعد أن تكون له أبعاده السياسية والجيوسياسية، بوصفه حدثاً بيِّت بليل، ولا صلة له بالقرصنة، ولعل ما يقود إلى هذا التفسير التهديدات المتواصلة التي يطلقها قادة المجلس الانتقالي: أن أمن الملاحة البحرية، في خليج عدن وباب المندب، لن يكون في أحسن حال إذا لم تقف الدول ذات المصالح في المنطقة مع مشروعهم الانفصالي، عارضين، في الوقت ذاته، استعدادهم لحماية هذه المصالح في حال حققوا غايتهم، وذلك، كما يبدو، رسالة إلى بريطانيا التي دعت، عبر سفيرها لدى اليمن، كلاً من المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية إلى تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقعه الطرفان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وإنْ كان هنالك من يثير الشكوك بشأن الدور البريطاني في الحرب اليمنية عموما.
بطبيعة الحال، قدرات المجلس الانتقالي المتواضعة، تجعل من تورّطه، مباشرة أو عبر فاعلين غير دوليين، في هذا الهجوم محل شك؛ وهنا يبرز دور الفاعلين الإقليميين المرتبطين بالصراع اليمني، خصوصاً إيران والإمارات، فإيران تمثل الداعم الرئيس للحوثيين الذين يقاتلون، طوال خمس سنوات، لتثبيت سلطتهم والحؤول دون عودة الحكومة الشرعية، فيما تمثل الإمارات الداعم الرئيس للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعد واحداً من مخالبها في اليمن، ويشاطر الحوثيين جانباً من أهدافهم السياسية. لذلك، إقحام بريطانيا في الصراع اليمني على نحو أكبر وأوضح مما تضطلع به حالياً، حيث تعد حامل القلم في الملف اليمني لدى مجلس الأمن، إنما يحقق مصالح هذه الأطراف، بما فيها بريطانيا نفسها التي يربطها بجنوب اليمن إرث استعماري طويل، استمر بين عامي 1839 و1967.
اتجاهات فرض الدور البريطاني المباشر، السياسي أو بالقوة، في اليمن، قد تخدمها مبرّرات 
أخرى، مثل: سوء الوضع الإنساني في مدينة عدن جرّاء تفشي وباء كورونا (كوفيد - 19)، والتداعيات الكارثية للأمطار التي تعرّضت لها المدينة قبل شهر، وعجز المجلس الانتقالي عن القيام بأعباء المسؤولية، بعد إعلانه الإدارة الذاتية. وقد يجري تعزيز هذا الاتجاه بالعمل على استطالة الصراع المسلح بين الحكومة والمجلس الانتقالي، بما يلقي بظلاله، حقيقة، على أمن الملاحة البحرية في خليج عدن، لإيجاد مبرّر أقوى لترتيب وضع مدينة عدن على نحو مماثل لوضع مدينة الحديدة التي أبقى عليها اتفاق استوكهولم عام 2018، في قبضة الحوثيين، بمعنى أن عدن قد يجري تهيئتها، شكلياً، للمجلس الانتقالي، في سياق مصالح دولية يطول أجلها وأبعادها.
في هذا السياق، يُذكر أن السفن والزوارق الحربية الإماراتية، التي تعمل ضمن بحرية التحالف العربي، تعد الحاضر الأبرز في أعالي البحار، قبالة السواحل اليمنية المشاطئة للمحيط الهندي وخليج عدن، ولا يقتصر مبرّر وجودها على مراقبة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، بل ومكافحة القرصنة، منذ ظهورها في خليج عدن، وقبالة السواحل الصومالية، غربي المحيط الهندي، أواسط العقد الماضي، حيث مثّلت الإمارات الطرف الإقليمي المنافس للسعودية في ما عُرف بـ"مدونة قواعد سلوك جيبوتي - 2009، لمكافحة القرصنة والسطو المسلح على السفن، غربي المحيط الهندي، وخليج عدن"، ولا تزال، كذلك، في ما بات يُعرف بـ"مدونة السلوك المعدَّلة المتعلقة بقمع أعمال القرصنة والسطو المسلّح التي تستهدف السفن والنشاط البحري غير الشرعي، غربي المحيط الهندي، ومنطقة خليج عدن"، التي تعد تحديثاً للمدوّنة السابقة، الموقَّع عليها في جدة، في فبراير/ شباط 2017.
ومع ما يثار عن مغادرة القوات الإماراتية المشاركة في التحالف الحرب في اليمن، إلا أنها لا تزال تحتفظ بوجود عسكري بحري في موانئ يمنية على خليج عدن وبحر العرب، في كل من عدن وحضرموت (الساحل)، وكذلك منشأة بَلحاف البحرية للغاز في محافظة شبوة. وهنالك من يشير إلى أن سفنها وزوارقها الحربية تتحكم في دخول السفن التجارية إلى هذه الموانئ، وتقيد الدور الرقابي التخصصي للسلطات البحرية اليمنية فيها، علاوة على تقييدها الدور العسكري والأمني للقوات البحرية اليمنية.