أي صدامٍ أردني كبير مع إسرائيل؟

أي صدامٍ أردني كبير مع إسرائيل؟

18 مايو 2020
+ الخط -
عندما يقول نتنياهو، أمس أمام البرلمان الإسرائيلي، إن مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هي مكان ولادة الأمة اليهودية، وإن الوقت حان لفرض القانون الإسرائيلي عليها، فكأنه يؤيد ما رآه معلقون وحزبيون إسرائيليون أنها ستأخذ وقتَها وتمرّ، الاحتجاجاتُ الدبلوماسيةُ والإعلاميةُ والسياسية بعد إعلان ضم الأغوار ومستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل. لم يلق رئيس حكومة الاحتلال الجديدة بالا بانتقاداتٍ أوروبية لتنفيذ هذا العدوان الجديد على الفلسطينيين وأرضهم، والمتوقع في يوليو/ تموز المقبل، ولم يلتفت إلى تحذيرات جنرالات إسرائيليين، سابقين في الجيش والمخابرات والشرطة، من مخاطر هذا الفعل على "الأمن القومي الإسرائيلي". والمرجّح أن نتنياهو بدا أمس غير مكترثٍ بتلويح ملك الأردن، عبدالله الثاني، يوم الجمعة الماضي، بـ "صدام كبير" بين بلاده وإسرائيل، إذا ما جرى ذلك الضم. والبادي أن زعيم الليكود، المتوّج للمرة الخامسة رئيساً لحكومة الدولة العبرية، لا يقرأ في غير دفاتر البيت الأبيض، وقد استضاف، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وسمع من هذا أن ضم الأغوار والمستوطنات في الضفة الغربية قرارٌ إسرائيلي، الأمر الذي أكّدته تالياً المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، في تعقيبها على ما لوّح به الملك.
ما هي أوجه "الصدام الكبير" الأردنية، وما هي "جميع الخيارات" التي تدرسها عمّان، والتي قال عنها الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع "دير شبيغل" الألمانية، موضحاً أنه لا يريد أن يطلق التهديدات، ولا أن يهيئ "جواً للخلاف والمشاحنات"؟ إن قلنا إن الحكومة الأردنية ستسحب سفيرها من تل أبيب، إذا صار الضم المخطّط له، والمعلن، والمتفق عليه بين نتنياهو وواشنطن، فذلك إجراءٌ لا يُحسَب صدامياً، فقد أقدمت عليه عمّان ثلاث مرات في السنوات الخمس الماضية، احتجاجاً على غير سلوكٍ إسرائيلي مستفز، وبدا تعبيراً عن نوبة "زعل" أو غضب، طال وقتُها أو قصُر. وإذا قيل إن الأردن سيعمد إلى تخفيض الاتصالات مع الحكومة الإسرائيلية، فهذا قائمٌ فعلاً، والعلاقات الثنائية، السياسية، في أدنى مستوياتها، وقد تحدّث عن ذلك الملك نفسه (لم يلتق نتنياهو منذ 2014). وإذا قيل إن تجميداً رسمياً لهذه العلاقات سيتم، فذلك يعني أن وقتاً سيأخذه هذا "التجميد"، وغالباً سيزول من دون زوال أسبابه. هل سيكون تعليق العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل خيارَ عمّان، إذا فعلها نتنياهو؟ أم سيجنح عبدالله الثاني إلى ما هو أبعد، فيلغي هذه المعاهدة؟
ليس من إجاباتٍ على هذه الأسئلة (ومثيلاتها)، ومن غير الميسور تخمينُها، ومؤكّد أن صانع القرار الأردني سيأخذ أي قرارٍ، بعد درس أكلافه على غير صعيد، سيما منها ما يتعلّق برد الفعل الأميركي، فالولايات المتحدة هي الحليف الأول للمملكة الهاشمية (أو هكذا يفترض)، وليس في مقدور عمّان الاستغناء عن المساعدة الأميركية السنوية (1,2 مليار دولار)، وأحوال الأردن الاقتصادية (والمالية) أكثر من صعبة، قبل جائحة كورونا وبعدها. وإذا كانت الدبلوماسية الأردنية ناشطةً بهمّةٍ ظاهرة، في الاتصالات مع أوروبا وروسيا وغيرهما، من أجل تمتين موقفٍ رافضٍ للإجراءات الإسرائيلية، فذلك مشهودٌ ويحسُن الثناء عليه، غير أن الماثل يوضح أن القانون الدولي من دون قوةٍ (عسكرية وغيرها) تسند الداعين إليه لا تقابله الدول المستقوية بنفسها، وبالإسناد الأميركي (وغيره)، بغير الازدراء. وإذا كان في الوسع أن ينهض جهدٌ أردنيٌّ على الصعيد القانوني، قوامُه أن معاهدة السلام تم توقيعُها مع دولة إسرائيل بحدود معلومة، وليس بحدودٍ أخرى، فذلك من أدوات عمل دبلوماسي وقانوني وسياسي شديد الضرورة. ولكن، ما الذي سيحدُث، فعلاً وواقعاً، لو أن الأردن مضى إلى تنويع الخيارات والانفتاح عليها كلها، وتجريبها كلها في ظروفها، ومنها أن يهدّد بوقف العمل من جانب واحد بمعاهدة وادي عربة؟ داخلياً، سيُستقبل القرار بإسناد شعبيٍّ مؤكّد وعريض (سخيفٌ كلام "هآرتس" أمس عن خوف الملك من مظاهرات الإخوان المسلمين لو تم ضم الضفة الغربية). وسينعطف البلد إلى الأخذ العملي بالخيار الشديد الكلفة لا ريب، "الاعتماد على الذات"، والذي جرت دعواتٌ وفيرةٌ إليه، في السنوات الأربع الماضية.
ليكن هذا الخيار عنوان "الصدام الكبير" في الأردن مع إسرائيل، ولنرَ. وهذا ليس فعلاً انتحارياً كما قد تزعم النخبة الأردنية التي بشّرت بعسلٍ وسمنٍ وفيريْن، بعد "وادي عربة"، ثم لم يذق الأردنيون شيئاً منهما، بل عرفت قطاعاتٌ منه الحنظل .. وغيره.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.