"جائحة" إلغاء الحج

"جائحة" إلغاء الحج

14 مايو 2020

لا مصلين ومعتمرين في الحرم المكي برمضان (24/4/2020/فرانس برس)

+ الخط -
منذ اعتلى وليّ عهد السعودية، محمد بن سلمان، ظهر الكعبة، وتجول بخيلاء على سطحها، تغيرت أمور كثيرة. الربط هنا قد يبدو متعسفاً، لكن الحدث "الجلل" في حينه أثار صدمةً في العالم الإسلامي، دفعت علماء السلطان إلى تبريره، واستدعاء فتاوى وآراء فقهية، تحاول إثبات عدم حرمة ذلك التصرّف الغريب، ويكفي الدفاع والتبرير هنا للدلالة على صفاقة هذا التصرّف، وعدم عزله عن جملة التصرّفات الغريبة والمستهجنة للرجل.
لا يستطيع أي كاتبٍ يحاول الإجابة عن تساؤل بشأن موسم حج هذا العام، وما إذا كان هناك حج أو لا، أن يغادر المشهدُ الغريب مخيّلته، وما تلاه من إغلاق بيت الله أمام مرتاديه، ووقف موسم العمرة، في خطوة لم يكد يشهد لها التاريخ مثيلاً، بعد غزو فيروس كورونا الكرة الأرضية.
تاريخياً، لم يتعطل موسم الحج إلا لأسباب مريعة، تتعلق بالأوبئة والحروب والفتن، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من إعلان رسمي بإلغاء موسم حج هذا العام على الأغلب. ولهذا الأمر، إن حصل، دلالات شرعية وكلف اقتصادية، وأبعاد رمزية كثيرة.
في الأردن، مثلاً، وحسب وزير الأوقاف، محمد الخلايلة، يتعلق قرار الحج بطرفين: السلطات السعودية والسلطات الأردنية. ويقول إن أي قرار رسمي من السلطات السعودية لم يصل، سوى تنويه بعدم الدخول في أي التزامات. والقرار الثاني يعود إلى الأردن كبلد، وسيادته في ظل هذا الوباء. ويضيف الوزير أن القرار الأردني لن يصدر رسمياً إلا قبيل موسم الحج، بحسب طبيعة انتشار الوباء في العالم. وأمامنا نحو ثلاثة أشهر حتى بدء الموسم، وحتى ذلك الوقت يخلق الله ما لا تعلمون. ويختم: من المبكر الحديث عن الحج حالياً، إذا سمحت السلطات السعودية بالحج، في إشارة كما يبدو إلى احتمال منعه في الأردن، حتى ولو سمحت به السلطات السعودية.
وثمّة مواقف مشابهة لبقية الدول، المعنية بالحج، بل ثمّة تساؤلات كبرى بشأن السماح بالسفر والتنقل بين الدول، فيما إذا استمرت هجمة جائحة كورونا الرهيبة.
أما في السعودية، فالموقف مشابه، فقد طلبت الحكومة، على لسان وزير الحج والعمرة، محمد صالح بنتن، من دول العالم الإسلامي "التريث قبل إبرام عقود الحج". وهي إشارة شديدة الوضوح إلى عدم وضوح الموقف بعد. لكن مع تعليق رحلات العمرة، قد تكون هذا التصريحات إشارة إلى احتمال قوي لإلغاء الموسم، وإن حصل فأي دلالة يحملها، سياسياً واقتصادياً وحتى دينياً؟
اقتصادياً، هو كارثة تضاف إلى الكوارث الاقتصادية التي ألمّت بالمملكة في عهدها الجديد، وقائمة الكوارث تطول، ما دفع المملكة أخيراً إلى إعلان سلسلة من القرارات الكارثية، منها: إيقاف بدل 
غلاء المعيشة بدءاً من يونيو/ حزيران 2020، رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% بدءاً من يوليو/ تموز 2020، دراسة خفض الإنفاق على المشاريع وعقود الاستشارات ومزايا الموظفين، تأخير أو تقليص عدد من المشاريع، منها توسعة الحرم المكّي.
أما الأثر المباشر لوقف موسم الحج اقتصادياً، فحجمه بالغ الضخامة، لأن الحج شديد الأهمية للسعودية. ليس من ناحية نسبة ما يمثله من إيراد قياساً إلى مجمل الميزانية (نحو 1.5%)، بل من ناحية المليارات التي يضخّها سنوياً في الاقتصاد الاستهلاكي (يقدّر بـ12 مليار دولار). وحسب اقتصاديين، لإلغاء موسم الحج تأثيرات اقتصادية مدمّرة، فنحو 3% إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي تأتي من هذا الموسم. وفي ظل تراجع أسعار النفط، وارتفاع عجز الموازنة، وانخفاض الإيرادات النفطية، يُضاف توقف موسم الحج إلى سلسلة الإيرادات الضائعة. ويقول خبراء الاقتصاد إن السعودية وضعت في موازنتها نحو 49 مليار دولار من الإيرادات الضريبية، كانت تتضمن ما سيأتيها من الحج، فضلاً عن العمرة، إذ كانت تتوقع أن يبلغ عدد المعتمرين في مارس/ آذار 2020 نحو 30 مليوناً.
تراوح الإيرادات بين خمسة وثمانية مليارات دولار، وقد ترتفع إلى عشرة. وإذا ما أُلغي الموسم، فلذلك تأثيرات بحجم إيرادات الناتج المحلي الإجمالي نفسها، وأيضاً ستؤثر بقطاعات كثيرة، كالسكن والنقل والمواد الغذائية، وهذا كله يعني أن قطاعات سعودية كثيرة تعتبر الحج موسماً رئيسياً بالنسبة إليها في كل عام، ستصاب بخسائر كثيرة ناجمة عن إلغائه، وقد يدفع الحكومة السعودية إلى تعويض المعتمدين على موسم الحج، الأمر الذي سيزيد من عجز الموازنة، وربما أدى إلى مزيد من البحث عن مصادر دخل إضافية، كاللجوء إلى القروض، وبالتالي سيرتفع حجم الاقتراض متجاوزاً 200 مليار دولار.
هذه صورة مكثفة لـ"جائحة" إلغاء موسم الحج اقتصادياً على البلاد، تضاف إلى الجوائح السياسية والأمنية والاقتصادية الأخرى التي أصابت البلاد، بسبب السياسات التي اتبعها العهد الجديد.
أما في البعد الديني والرمزي، فمن الصعب أن يتخيّل المرء أن اعتلاء ظهر الكعبة، كسلوك مستهجن وصادم، ليس له علاقة بما حصل لبيت الله الحرام، ولو بدا أن كلا الأمرين لا رابط ظاهرياً بينهما. أهي عقوبة، أم لعنة أم ماذا؟ لا أدري.