رواية أولى في السبعين من عمرها

رواية أولى في السبعين من عمرها

12 مايو 2020

أوينز وزوجها في منتزه نورث لوانغوا في زامبيا (1/9/1988/Getty)

+ الخط -
في السبعين من عمرها، كتبت ديليا أوينز روايتها الأولى. وعندما تمّ نشرها، تصدّرت قائمة أفضل الكتب مبيعا في أميركا خلال 39 أسبوعا، وقد بلغ عدد مبيعاتها خمسة ملايين نسخة. أمضت ديليا عشرة أعوام في تأليف الرواية التي عنونتها "حيث يغنّي لوبستر المستنقعات الأحمر"، وكانت تكتب بعد انتهاء نهارات عملها الطويلة في مجال اختصاصها: دراسة حيوانات أفريقيا وعلم الحيوان وعلم الأحياء. كانت أوينز قد نشرت دراسات علمية لاقت رواجا في الولايات المتحدة الأميركية. ولدى سؤالها عن سبب انتقالها إلى التأليف الروائي، أجابت: "شعرت أن لديّ قصّة مهمّة أرغب في روايتها، فبعد تجربتي في أفريقيا وإمضاء 23 عاما في مراقبة الطبيعة مع زوجي السابق، كان صادما لي أن أكتشف إلى أي مدى تشبه تصرّفاتنا تصرفات الحيوانات. كان هدفي إفهام كل شخص في العالم أن في إمكانه معرفة نفسه بشكل أفضل لو تفحّص غرائزه الخاصة". الجدير بالذكر أن أوينز لا تدافع عن الطبيعة بشكل أعمى وطوباوي، بل إنها تراها خطرة وقاسية، مضيفة أنها مهما تمادت، لن تبلغ خطورة الكائن البشري. "أجل الطبيعة قاسية، تقول، إنما أوَ تدرون؟ نحن نأتي منها، وهو السبب الذي يجعلنا بهذا العنف".
يحكي الكتاب قصة كِيا (كاثرين كلارك) التي تطلق عليها الألسنُ الشريرة لقب "ابنة المستنقعات" تحقيرا واستهجانا، ذلك أنها عاشت طوال حياتها هناك، بعيدا عن أي تواصل مع الآخرين، برفقة الحيوانات والطيور التي لم تتخلّ عنها يوما مثلما فعل الآخرون. لقد ولدت كِيا في عائلة فقيرة جدا تعيش في مستنقعات مقاطعة كارولاينا الشمالية، حيث تحيا قلةٌ قليلة من الناس، يعتبرهم أهل البلدة المجاورة (باركلي كوف) "جرذان ماء" خارجين عن القانون. في سن السادسة، تغادر والدة كيا إلى غير رجعة، وما هي إلا فترة قصيرة، حتى يرحل الأخ الكبير أيضا، ثم بقية الإخوة، تاركين الصغيرة في عهدة الوالد، ذلك الرجل السكّير، الفظّ والعنيف الذي لن يلبث أن يختفي هو أيضا بعد مرور أربعة أعوام.
ها هي إذًا كيا وحيدة، وقد بلغت العاشرة من عمرها وتعلّمت كيف تتدبّر أمورها بنفسها، تقرّر البقاء حيث هي، لأنها "ابنة المستنقعات" التي لا تثق بأحد البتة، باستثناء الطبيعة التي أفسحت لها وحضنتها على عكس البشر. "المستنقع ليس سبخة، إنه فضاءٌ من الضوء، حيث ينمو العشب في الماء، والماء يندلق نحو السماء. سواقٍ كسولة تجرّ قرصَ الشّمس نحو البحر، فتحلّق طويلات الساق برشاقة مفاجئة، كما لو أنها لم تكن مخلوقة لتطير، في ضوضاء تصنعها ألفُ إوزةٍ ثلجية".
ذات يوم، سيأتي إليها موظفو دائرة الخدمات الاجتماعية ليدخلوها المدرسة. لكنّ الصغيرة "المتوحشة" لن تطيق البقاء ما يعدو يوما واحدا، فإذا بها تفرّ عائدة إلى موطنها، حيث تواصل تدجين البيئة العدائية وتحويلها حليفةً وصديقةً وحاضنة. تتجاوز كيا المحن والصعوبات، إنما يتبقى أمامها خصمٌ واحد لا تقدر عليه. إنه شعورها الأليم بالوَحدة. لكن مع مرور الوقت، سوف تلتقي بشابين سيُسقطان دفاعاتها، الأول تايت، الشاب الخجول الهادئ الذي يكبرها بأربع سنوات، والذي سيعلّمها القراءة والكتابة والحساب، فيما تساعده هي على اكتشاف أسرار الطبيعة، قبل أن يضطرّ إلى المغادرة لاستكمال دراسته الجامعية. والثاني تشايز الجميل، محطّ أنظار كلّ الفتيات، والذي تبدأ الروايةُ باكتشافه مقتولا في عام 1969.
تبدأ أوينز فصول الرواية بوضع التواريخ، لأنها ستعيدنا بعد ذلك إلى عام 1952، حيث سنتعرّف إلى كيا وهي في السادسة من عمرها. وهكذا تباعا، ننتقل من الحاضر إلى الماضي، فيما يتراوح السردُ بين أشهر عام 1969 وحياة كيا قبل بلوغها هذا التاريخ. بناء العمل على هذه الشاكلة سيُشعر القارئ حتما بالتشويق، مضافا إليه ما ضمّنته الكاتبةُ من معارف ثمينة وعميقة في علم الأحياء وعلم الحيوان.
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"