هل أصبح حفتر ورقة محروقة؟

هل أصبح حفتر ورقة محروقة؟

30 ابريل 2020
+ الخط -
تنبئ الأزمة الليبية بتحولاتٍ قد لا تصبّ في مصلحة معسكر الثورة المضادة الذي يدعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك بعد المكاسبِ الميدانية التي حققتها القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في الساحل الغربي، والخطوةِ غير المحسوبة التي أقدم عليها حفتر بإعلانه إسقاط اتفاق الصخيرات، وتنصيب نفسه حاكماً على ليبيا.
تلقّى حفتر، منذ إطلاقه ''عملية الكرامة'' قبل ستة أعوام، دعماً عسكرياً ومالياً ولوجستياً من الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وروسيا. وعلى الرغم من هذا الدعم، إلا أنه أخفق في إدارة معاركه مع قوات حكومة الوفاق، ولا سيما معركة طرابلس التي كان قد أعلن ''ساعات صفر'' كثيرة لاقتحامها، من دون أن تُفلح قواته في ذلك.
يعكس هذا الإخفاق الأزمة التي يتخبط فيها داعمو حفتر، وافتقادَهم رؤية واضحة بشأن تحولات الوضع الميداني بعد التراجع اللافت لقواته. ويأخذ الأمر أبعاداً أكثر خطورة مع الإمارات ومصر، اللتين تعملان بكل ما أوتيتا من قوة لتنزيل المشروع العسكرتاري والاستبدادي لحفتر في ليبيا. وهو مشروعٌ ينبني، بداهةً، على إعادة إنتاج النظام السابق وتدوير بنياته من خلال استثمار الولاءات القبلية والجهوية، والحصول على دعم القوى الإقليمية والدولية المناهضة للتغيير في المنطقة.
لا يريد حفتر أن يكون رقماً، من بين أرقام أخرى، ضمن تحولٍ سياسيٍ متوافَقٍ عليه يستوعب خصوصية الاجتماع السياسي الليبي، بقدر ما يتطلع إلى أن يكون رقماً أوحد على شاكلة عبد الفتاح السيسي، ينقضّ على السلطة ليستأثر بها غصباً بدعم من حلفائه. ولعل في طلبه تفويضاً من الشعب الليبي لتولي السلطة ما يذكّر، بشكل لا يخلو من دلالة، بالتفويض الذي طلبه السيسي من المصريين في يوليو/ تموز 2013 لفضّ اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة.
تؤشر التطورات الراهنة في ليبيا على تحول نوعي في المعادلة العسكرية والسياسية، وهو ما يضع حلفاء حفتر في مأزق حقيقي. وقد لا تكون هناك مبالغة في القول إن حفتر يكاد يصبح ورقة محروقة، بعد أن استنفد معظم أوراقه، وأخفق في تحويل دعم حلفائه إلى مكاسب عسكرية تعبّد الطريق أمام قواته نحو طرابلس. هذا من دون أن يُغفل أن لهؤلاء الحلفاء أجندات يتقاطع فيها الاستراتيجي بالمرحلي، فانهيارُ أسعار النفط يُربك حساباتهم الاقتصادية والمالية، ولا سيما بالنسبة إلى السعودية والإمارات. والركودُ الاقتصادي، الناجم عن الارتجاج الذي أحدثته جائحة كورونا، قد يغيّر من أولويات بعضهم في تعاطيهم مع الملف الليبي وتحولاته.
وبعد الانتكاسة التي مُنيت بها قواته في الساحل الغربي، لم يعد اقتحام طرابلس يقع ضمن أولويات حفتر، بقدر ما صار هدفه الأساسي تعزيز مواقعه العسكرية واستعادة ثقة داعميه والحفاظ على الحواضن القبلية والجهوية لمشروعه الاستبدادي. وهنا يكمن حسنُ أداء حكومة الوفاق، إذ نجحت في تبديل أولويات حفتر، وفرضت عليه ميزان قوى جديداً، ولا سيما أنه كان للدعم التركي لها أثر واضح في التحول الذي طرأ ميدانياً. في السياق ذاته، قد يدفع تراجعُ قوات حفتر في غرب ليبيا إلى بروز انقسامات قبلية داخل معسكره في الشرق، ما يعني فقدانه جزءاً مهما من أوراقه الداخلية. ومعروف أن حفتر سعى جاهداً، منذ سنوات، إلى نسج تحالفات مع قبائل الشرق الليبي. بيد أن التطورات أخيراً قد تخلط أوراقه هناك، وتُضعف سلطته الأمنية والسياسية، وخصوصاً في ظل مطالبة بعض وجهاء هذه القبائل بالتوقف عن زجّ أبنائها في معاركه الخاسرة في غرب ليبيا. وإذا أضيف إلى ذلك تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في معظم مناطق الشرق، فذلك كله قد يسحب البساط تدريجاً من تحت قدمَي حفتر، ويُنهي مخططه للانفراد بحكم ليبيا.
بدأت أوراق حفتر تنفد، فالانتصارات النوعية التي حققتها قوات حكومة الوفاق في الغرب تشكل اختباراً عسيراً لمدى قدرة الدول الداعمة له على الاستمرار في المراهنة على مشروعه. أما في مناطق الشرق، فإن تراجعه الميداني، وإخفاقه في اقتحام طرابلس، وإعلان نفسه حاكماً على ليبيا، ذلك كله قد يحوّله إلى عبء سياسي ثقيل في هذه المناطق.