نهاية العالم

نهاية العالم

21 مارس 2020
+ الخط -
"نحن نشهد نهاية العالم"، قالت لي صديقة ونحن نتحدث على الهاتف، إذ فرض علينا فيروس كورونا عزلةً جديدة تضاف إلى مجموعة العزلات التي فرضتها علينا ظروف بلدنا، سورية، منذ عام 2011، فما أحدثه الفيروس في كل العالم لا يذكّر سوى بأفلام هوليوود التي تتحدّث عن نهاية البشرية، والتي، بالمصادفة، يتم إنقاذها على يد أبطال وعلماء أميركان، وعلى سبيل المزاح لا أكثر: تخيّلوا أن يكون إنقاذ البشرية حاليا فعلا على يد الأميركان بزعامة ترامب! أظن أن الفيروس سوف يقاوم هذا الاحتمال بشدة، على الرغم من كل تقديري الشعب الأميركي بعيدا عن سياسة قادته؟
وما دمنا في سيرة الشعوب والقادة، فإن كراهية بعض العرب، سوريون في أغلبهم، الشعب الصيني، وتحميله مسؤولية انتشار الفيروس في العالم لا تختلف، في جوهرها، عن تحميل بعض السوريين مسؤولية الموت والدمار والتشرد الذي حصل في سورية للسوريين الذين قاموا بالثورة أو وقفوا معها، (نعيش هذه الأيام ذكرى انطلاقة الثورة السورية)، إذ إن أول من يعاني من ديكتاتورية النظام الصيني وقمعه هم الصينيون أنفسهم، ومسؤولية هذا النظام عن انتشار الفيروس حين رفض تصديق أمره الذي كشفه الطبيب لي وينليانغ أواخر العام الماضي (توفي قبل شهر متأثرا بإصابته بالفيروس)، أول من أصابت الصينيين، فما معنى هذه الكراهية والعنصرية المقيتة والمقرفة تجاه الشعب الصيني من بعض العرب، ومن سوريين حصرا، المتهمين بالإرهاب لمجرد أنهم سوريون؟ هل تستطيع العزلة التي يفرضها فيروس كورونا أن تجعلنا نجري مراجعاتٍ عميقة ومهمة مع أنفسنا، لندرك ما يجب أن يكون عليه سلوكنا الإنساني ومشاعرنا تجاه باقي البشر؟
شيء ما يميز ما يحدث حاليا بسبب الفيروس: لا مظلومية لدى فئة معينة: لا شعب ولا قومية ولا دولة ولا جنس ولا دين ولا مذهب ولا حزب. لا مظلومية يمكن لأحد أن يتحدّث عنها، أو ربما يتاجر بها، البشرية جميعها "سواسية كأسنان المشط"، الكل واقع في "الخيبة" نفسها كما يقول المصريون. لا أحد مستثنى، ولا أحد في منجى مما يحدث. يا لهذه العدالة الغريبة التي ظهرت أخيرا! العدالة التي ساوت بين جميع الجنسيات، وجعلت وثائق السفر متشابهة الأهمية، فلا مكان ليهرب إليه الخائفون من الوباء، إذ إن الفيروس أكثر سرعةً وخفّةً ورشاقةً في الوصول إلى كل الأمكنة. العدالة التي جعلت شعوب الأرض تتساوى في مستوى التعافي أو اشتداد المرض، إذ لا علاج له بعد، ولم تفلح محاولات ترامب في شراء الحق الحصري للعلاج الذي يسعى الألمان إلى تطويره، ليكون متوفرا للبشرية جمعاء، بينما يريده ترامب للأميركيين فقط. ربما أراد ترامب أن يظهر أمام شعبه كتوم كروز وهو ينفذ "المهمة المستحيلة".
"نحن نشهد نهاية العالم"، قالت لي صديقة على الهاتف، ثم فكّرت بعد أن أنهيت معها المكالمة بمعنى نهاية العالم: متى ينتهي العالم فعلا؟ كل الأساطير وكل الأديان وكل المنجمين وكل من يدعون علم الفلك وكل رجال الدين يتحدثون عن نهايةٍ ما للعالم، وكلٌّ يصورها بطريقته وحسب إيديولوجيته. ثمّة من يقول إن العالم سوف ينتهي بوباء، أو باصطدام كوكب الأرض بكوكب آخر يؤدي إلى انفجار كوني، أو بطوفانٍ يغرق البشرية، ولن يبني أحد سفينة لإنقاذه، أو مخلوقات غرائبية تعيش في كواكب أخرى سوف تأتي لتحتل كوكب الأرض، وتفني كل من فيه. كل هذه التخمينات والأفكار عن نهاية العالم منبعها التفكير والخيال والعقل، الإدراك بسيرورة الحياة ونشأتها الأولى يؤدي إلى إدراك نهايتها الأخيرة والمطلقة، منطق طبيعي للتفكير بماهية الوجود والحياة، غير أن الإدراك نفسه ينتهي بالموت، الموت الذي يتلف جهاز العقل، ويعطل العمل بكل الأجهزة المرتبطة به. يتوقف إدراك كل شيء لحظة الموت، الموت إذا هو نهاية العالم، ما إن يموت شخصٌ ما حتى ينتهي العالم. هكذا، انتهى العالم كفكرة أسطورية ودينية منذ موت قابيل، غير أنه كان منتهيا منذ زمن أقدم بكثير، منذ بدء الخليقة. هل امتلكت المخلوقات التي عاشت قبل وجود الإنسان، وأدى تطورها الطبيعي إلى نشوء البشر، الإدراك؟ نحن اليوم ندرك أنها عاشت وماتت، وعالمها انتهى بموتها، مثلما سينتهي عالم أي بشري بموته، بينما سيبقى العالم مستمرا للأحياء بانتظار أن ينتهي لسببٍ قد يكون في غاية التفاهة، إذ ليس ما هو أكثر تفاهة من أسباب الموت، أو أسباب نهاية العالم.
هل يعني ما سبق أنني دخلت نفسيا في عزلة كورونا؟
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.