في سباق بايدن ــ ساندرز الانتخابي

في سباق بايدن ــ ساندرز الانتخابي

17 مارس 2020

ساندرز وبايدن في مناظرو في كارولينا الجنوبية (25/2/2020/Getty)

+ الخط -
أثارت النتائج السابقة للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي الأميركي، والتي شهدت تقدما واضحا لجوزيف بايدن على حساب بيرني ساندرز، إشارات استفهام عديدة حول المشهد الانتخابي واصطفافات الديمقراطيين لاختيار مرشحهم لمواجهة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل؛ فبعد أن كان ساندرز متقدماً على بايدن في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية التي شملت ولايات آيوا، ونيوهامشير، ونيفادا، جاءت نتائج جولتي 2 و11 الجاري لتقلب الطاولة على ساندرز لحساب بايدن الذي حقق الفوز في 13 ولاية من أصل 20 ولاية ليحصل على أصوات 823 مندوباً من إجمالي النتائج المعلنة للانتخابات التمهيدية، متقدماً على ساندر الذي حصل على أصوات 663 مندوباً من إجمالي النتائج.
في ضوء هذه النتائج، يطرح مختصون ومهتمون بالانتخابات الأميركية عوامل عديدة ساعدت بايدن في تحقيق هذا التقدّم على حساب منافسه ساندرز، والتي تندرج ضمن إطار الاصطفافات السياسية في الحزب الديمقراطي. أحد أهم هذه العوامل الدور الكبير لمن يعرفون باسم "المتنورون الجدد"، أو كما سمّاهم ساندرز "سياسيي المؤسسات"، وهم، حسب تحليل لموقع
ناشونال إنترست الأميركي، مجموعة لا تزال ملامحها غير متبلورة، إلا أنها قادرة على تغيير النتائج في انتخابات الديمقراطيين، ويُعتقد أنها تقف وراء خروج مرشحين من السباق الانتخابي في مراحله الأخيرة، في خطوةٍ تسعى إلى توجيه الناخبين نحو دعم بايدن. وقال ساندرز عن هذه المجموعة التي تتألف من قرابة 60 مليارديراً يدعمون حملة بايدن الانتخابية، إنها قامت بحملات إعلامية منظمة ومكثفة ضده، وساهمت في خسارته ولايات مهمة، مثل تكساس وكارولاينا الشمالية. والسبب الأساسي يعود إلى توجهات ساندرز وأفكاره ومواقفه التي توصف بالاشتراكية، كرفضه الحروب الأميركية في العالم، ودعم حقوق الفلسطينيين، ومهاجمة المؤسسات التقليدية الأميركية (الإستبلاشمنت)، واتهامها بالفساد والعمل لخدمة مصالح الشركات ورجال الأعمال، وإلغاء ديون الطلاب الجامعيين، وإلغاء مصروفات التعليم الجامعي، وتطبيق التأمين الصحي للجميع، وغير ذلك من طروحاتٍ يرفضونها.
لا تتماشى هذه الأفكار والتوجهات والأطروحات مع مسار الديمقراطيين، ولا تلقى قبولاً من هذه المجموعة، كونها لا تصب في صالحها، على اعتبار أنها تضم أسماء كبيرة من المجمع الصناعي العسكري الأميركي، بأطرافه الثلاثة، أصحاب المصانع الحربية، وجنرالات البنتاغون، وأعضاء الكونغرس، على عكس بايدن الذي يوصف بالديمقراطي التقليدي المعتدل، صاحب الخبرة الواسعة، والمرشح الأبرز لدى التيار الكلاسيكي للديمقراطيين، لأسبابٍ عدة، 
أهمها أنّ أولوية الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية تتجلّى في دعم مرشّح يكون قادراً على استمالة أكبر قدر من الناخبين المحافظين المعتدلين المنزعجين من أداء ترامب وسياسته. وهذا لن يتحقق ما لم يقدّم الحزب شخصيةً معتدلةً، تكون قادرة على إلحاق الهزيمة بترامب، مثل بايدن الذي يعد الأقرب إلى تلك الشريحة من المحافظين.
يضاف إلى ذلك أن الحزب الديمقراطي يسعى إلى توحيد صفه بالالتفاف حول بايدن، عبر الضغط على المرشحين الديمقراطيين الأقل حظاً بالانسحاب لصالحه، وهو ما تم بعد انسحاب بيتر بوتيدجيج، وأيمي كلوبوشار، قبل يومين من سباق الثلاثاء الكبير، وتأييدهما حملة بايدن، ومن ثم انسحاب مايكل بلومبيرغ بعد يوم من الثلاثاء الكبير لصالح بايدن أيضاً، الأمر الذي أعطى دفعة كبيرة لحملة الأخير على حساب ساندرز الذي انتقد الدور الخفي للرئيس الأميركي
السابق، باراك أوباما، الذي كان له دور كبير في انسحاب هؤلاء المرشحين لصالح بايدن، للحيلولة دون تمكّن ساندرز من الفوز بترشيح الحزب لانتخابات 2020، كما فعل في انتخابات عام 2016 عندما تدخل أوباما لإقناع ساندرز بدعوة مناصريه للتصويت لمنافسته هيلاري كلينتون في تلك الانتخابات التي نافست ترامب على منصب الرئيس.
وبالتالي، ثمّة عراقيل وتحدّيات أمام طموح ساندرز في الحصول على ترشيح الحزب 
الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، أبرزها "المتنورون الجدد" ومؤسسة الحزب الديمقراطي الذين يزجّون كل ما لديهم من نفوذ وامتدادات سياسية وطاقات إعلامية، حتى لا يفوز المرشح التقدمي، بيرني ساندرز، بترشيح الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب في الانتخابات الرئاسية، على ضوء أطروحاته اليسارية، والتي ستؤدي إلى إبعاد الناخبين الوسطيين بشكلٍ يصبّ في مصلحة ترامب، ليكون التساؤل الأهم هنا: هل يستطيع الحزب الديمقراطي الذي يشهد اصطفافات سياسية واضحة، في ظل سباق محموم بين مرشح تقدّمي مدعوم من جيل الشباب، ومرشح معتدل مدعوم من المؤسسة الأميركية التقليدية على لملمة صفوفه، وانتزاع الرئاسة من يد الجمهوري دونالد ترامب؟
ننتظر ما تبقى من المعركة الانتخابية بين الديمقراطيين التي سوف تستمر حتى شهر يوليو/ تموز، موعد الاختيار النهائي للمرشح الديمقراطي، والتي قد تحمل مفاجآت غير متوقعة، قد تحمل ساندرز إلى مواجهة ترامب في الانتخابات الرئاسية.