بيلوسي وما بعد تمزيق الخطاب

بيلوسي وما بعد تمزيق الخطاب

09 فبراير 2020

بيلوسي تمزّق نسختها من خطاب ترامب (4/2/2020/فرانس برس)

+ الخط -
لاقى تصرّف رئيسة مجلس النواب الأميركي، زعيمة الأكثرية الديمقراطية في الكونغرس، نانسي بيلوسي، تمزيقها خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس دونالد ترامب، حماساً شعبياً واسعاً بين الديمقراطيين، ولكن بعض أقطاب الحزب قالوا إنه كان على بيلوسي ألا تنخفض إلى مستوى ترامب الذي رفض مصافحتها، قبل أن يقدّم تقريره السنوي عن حالة الولايات المتحدة، وكان عليها أن تبدي رصانة دبلوماسية تليق بقيادية حزبية من وزن زعيمة الأغلبية الديمقراطية.. بدت بيلوسي، وهي تمزّق الأوراق المطبوعة على دفعتين، كأنها سيدة تعرّضت لإهانة تتجاوز البعد السياسي، ولكنها غطت الأمر بتصريحاتٍ مشبعةٍ بالسياسة، ليظهر سلوكها وكأنه تمزيق للأخطاء التي تضمنها خطاب ترامب، بيد أن الأخير استفاد من تصرّفها الفظ باكتساب بعض النقاط، حين اعتبر بعض مراقبي الخطاب أن تمزيق النص تعبير عن حالةٍ من الإحباط أصابت الديمقراطيين أمام هذا الخطاب الناجح.
في اليوم التالي لإلقائه خطاب حالة الاتحاد، برّأ مجلس الشيوخ الرئيس ترامب من تهمتين وجهها النواب إليه: إساءة استخدام السلطة، وإعاقة عمل الكونغرس. وكانت إدانة واحدة كافية لعزله من منصبه، ولكن مجلس الشيوخ تصرّف على نحو حزبي منضبط إلى حد كبير، فقد صوّت الديمقراطيون جميعاً ضد الرئيس الجمهوري، وصوّت الجمهوريون جميعاً معه، عدا صوت جمهوري واحد نشاز، للنائب ميت رومني الذي صوّت ضد الرئيس على إحدى التهمتين، وعزا موقفه المتميز حزبياً لأسباب دينية، فهو مورموني المذهب. واستناداً إلى ذلك، قال إنه لا يستطيع أن يخالف ضميره. وعلى الرغم من هذا الخرق الحزبي، انتصر ترامب.. بالتأكيد، كان الديمقراطيون الذين أرسلوه ليحاكم في مجلس الشيوخ يتوقعون نتيجةً كهذه، ولكنهم أرادوا أن يلطّخوا سمعته، قبل أن تبدأ حفلة الانتخابات الرئاسية المقبلة.. لم يبدُ على الرئيس المسنود من حزبه بقوة أنه تأثر كثيراً بالحادث، فالحشد الحزبي الذي ناصره يبرز وحدةً حزبيةً يمكن أن تستمر بالزخم نفسه حتى موعد الانتخابات، وهذا جل ما يطمح إليه ترامب الآن.
قدّم الديمقراطيون أنفسهم لترامب انتصاراً آخر مع بداية الانتخابات الداخلية التمهيدية لاختيار مرشح ديمقراطي سيواجه ترامب في الانتخابات التي بدأت في ولاية أيوا، فقد وقعت أخطاء تقنيةً أدّت إلى تأخير كبير في إعلان النتائج، ما عكس عجزاً ديمقراطياً في تنظيم انتخاباتٍ على مستوى صغير، وفشلاً في عملية إعلان النتائج بسرعة، كما جاءت نتائج هذه الانتخابات بمفاجأة أخرى، وهي فوز مرشح مغمور لم يبلغ الأربعين عاماً متفوقاً على المرشح المعروف بيرني ساندرز، وعلى جو بايدن الذي يُعتبر فرس الرهان في هذا السباق، والمعوّل عليه ديمقراطياً لمواجهة ترامب وهزيمته، لكنه حل رابعاً.. على الرغم من صغر الولاية، والخلل المعلوماتي العارض، إلا أنها كانت فرصةً سانحةً أخرى لترامب، ليظهر بقوة أكبر، وخصوصا إزاء بايدن الذي طغى اسمه في قضية عزل ترامب، وتهمة إساءة استخدام السلطة.
بدأ العام الانتخابي بإعلان ترامب خطته الموعودة لحل قضية الشرق الأوسط، المعروفة بصفقة القرن، وهو الأمر الذي يعدّ محلياً إنجازاً سياسياً يعطيه نقاطاً انتخابية إضافية، وبشكل متتابع تلاحقت القضايا التي ظهر فيها ترامب "نجماً"، وأكسبته أضواء كثيرة، في بداية واعدة لحملة ترامب، بعكس حملته السابقة التي ظهر، في بدايتها، مرشّحاً ميؤوساً منه، لينهيها بانتصار على منافسته هيلاري كلينتون. ولا بد أن نتائج إجراءات العزل والفوضى التي حصلت في أيوا تشكّل قلقاً ديمقراطياً، على الرغم من التراص الذي ظهر عليه النواب في مجلس السيناتورات، وانضمام المستقلين إليهم في التصويت ضد ترامب، إلا أن أداءهم في الواقع يجب أن يتجاوز تمزيق أوراق الخطاب، وقد يتطلّب منهم تنظيماً جادّاً بدل الفوضى التي ظهرت في أيوا. أما القلق الأكبر ففي التشتت الكبير الذي أظهرته نتائج تلك الانتخابات، وجعلت ترامب، مشروع الرئيس الخطر، في وضع مريح جداً.