الفلسطينيون والخروج من المأزق

الفلسطينيون والخروج من المأزق

07 فبراير 2020
+ الخط -
تُفيد التجارب السابقة والطويلة والمريرة بأن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وفريقه، سوف يرجعون من غزواتهم الإقليمية والدولية بحمل ثقيل من حقائب وعود فارغة، وسلال كلام معسول لن تقوى على وقف جرّافات الاحتلال التي باشرت في أعمال الهدم والحفر، طبقاً لخرائط ترامب - نتنياهو. وإذا كان الرئيس الفلسطيني، ومن معه من مدمني المفاوضات، يتأملون خيراً في النظام الرسمي العربي، فما عليهم إلا مراقبة سقوط العواصم العربية تباعاً في أحضان نتنياهو، بذرائع واهية، ومبرّرات أقبحها "لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين". 
المأمول أن يُوفر الرئيس محمود عباس ما تبقى في جسده من طاقة، وفي رأسه من قدرة على التفكير، وأن يوفر كذلك تكاليف سفره مع وفود جرّارة إلى أصقاع الأرض، وينكبّ، خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، على ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني، وتحصين جبهته الداخلية قبل فوات الأوان. ما جرى في الأيام القليلة الماضية ليس حدثاً عابراً، ولا يمكن مواجهته بالارتجال، أو بالعنتريات الخطابية الفردية، بل يحتاج إلى حشد كل الطاقات الفلسطينية، لبناء جبهة داخلية قوية قادرة على صد طوفان الاحتلال، وتكسير موجات التطبيع العاتية، باستراتيجية وطنية جامعة.
والطريق نحو جبهة وطنية مقاومة، تستند إلى استراتيجية وطنية جامعة، تبدأ بالمصالحة، ولا يُقصد هنا المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وإنما المصالحة الشاملة بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني، ذلك أن الانقسام الحاصل بين كل مواطن فلسطيني والوطن من جهة، وبين الأخير وقيادته من جهة أخرى أعمق وأقسى من الانقسام الحاصل بين فتح وحماس. صحيح أن المصالحة بين الفصيلين الأكبر مهمة ومطلوبة، ولكن يجب النظر إليها مقدمة المصالحة مع مجموع الشعب الفلسطيني الذي لا يُنكر أحدٌ أن خصومة كبيرة وضارية تعصف في ثناياه أفقياً وعمودياً. وتبدأ المصالحة الشاملة بمصارحةٍ شفافةٍ من القيادة تعترف فيها بالأخطاء التي وقعت خلال الـ 25 سنة الماضية، ويتحمّل أصحاب النهج مسؤولياتهم عن الفشل، إذ من غير المعقول أن تطوى مرحلة الفشل المتراكم من دون مراجعة، ومن دون أن يتحمّل أي شخص مسؤولية عما وصلنا إليه من تراجع وضياع حقوق وطنية.
ثم على المجموع الفلسطيني المباشرة في بناء اقتصاد وطني مقاوم، قادر على التخلص من ابتزاز المقاصة الإسرائيلية، والتحرّر من ضغوط الدولة المانحة. وأول الخطوات في بناء هذا الاقتصاد تكون بفكّ الارتباط مع المحتل، مع الشروع بتأسيس مشاريع فردية وجماعية صغيرة ومتوسطة. ويمكن توفير رأسمال الدعم لهذه المبادرات بتقليص نفقات القطاعات العامة غير المنتجة، والتقشّف في النفقات الحكومية والإدارية، بما في ذلك خفض رواتب كبار الموظفين وتقليص نفقات السفارات والبعثات الخارجية. أضف إلى ذلك استئصال مواطن الفساد من جذورها لوقف هدر المال العام. وتعد مثل هذه الخطوات أساسيةً في مواجهة مخطط ترامب - نتنياهو الذي يحمل في طياته الكثير من الجزر والمغريات لمن يقبلون به، ويلوّح بعصي غليظة لكسر شوكة الصمود الفلسطيني الرافض للصفقة الإسرائيلية - الأميركية. وهنا يتحمل كل فلسطيني مسؤولية فردية، كأن يتولى فلسطينيو الخارج دعم إخوتهم الصامدين في الداخل، لكي لا يقع هؤلاء فريسة الإغراء أو الإخضاع.
أما الأولوية الأخرى التي ينبغي على المجهود الفلسطيني الاهتمام بها فتخص إعادة بناء المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات، على أسس المقاومة بكل أشكالها، وذلك بإعادة الاعتبار للمنظمات الشعبية والنقابية، بوصفها الإطار الجامع والمُنظم لطاقات المجتمع الفلسطيني. أضف إلى ذلك إعادة الاهتمام بالجامعات الفلسطينية لتعزيز القيم الوطنية في صفوف الجيل الناشئ، بعيداً عن الفصائلية الانتهازية التي تنامت خلال السنوات الأخيرة. ثم لا بد من إحياء قيم التكافل والتضامن داخل المجتمع، ونبذ الأنانيات الفردية والجهوية، مع إعادة تشكيل منظمات المجتمع المدني على أسس وطنية.
تظل أي إجراءات لمواجهة مخطط ترامب - نتنياهو شكلية وقاصرة، ما لم ترافقها عمليات هدم وإعادة بناء أفقية وعمودية، عنوانها فك الارتباط مع المحتل، في مقابل إبداع أشكال الاشتباك المفتوح معه.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.