هل تتغير قواعد الاشتباك بين أميركا وإيران؟

هل تتغير قواعد الاشتباك بين أميركا وإيران؟

07 يناير 2020
+ الخط -
بضعة صواريخ أنهت أسطورة إيران، أي قاسم سليماني في العالم العربي. الأسطورة التي تشكلت في ساحات هذا العالم، وأمعنت فيه تخريباً وتطييفاً وتفكيكاً لنسيجه المجتمعي. وحين بدأت الثورات في أواخر عام 2010، كان في الميادين، وقبلاً في حرب تموز 2006 مع قيادة حزب الله. كانت خطورة دوره في سورية بشكل خاص، وكان هو بالذات من استدعى الروس، حالما فشل في إنهاء الثورة، وخوفاً من سقوط نظامٍ تابع لإيران. فاجأته الثورتان في العراق ولبنان، فكان يتنقل بين البلدين ويعدُّ الخطط لسحق الثورتين، بينما أصبحت سورية من نصيب الروس، والدور الإيراني خفت بعد الإجهاز على الفصائل الوطنية، وتحويل ما تبقى منها إلى إسلامية أو جهادية، ومحصورة في مناطق بعينها في سورية. تلك المفاجأة، استعد لها، ووفقاً لخصوصية كل بلد، فما يصحُّ في لبنان لا يصحُّ في العراق؛ ففي لبنان هناك حزب الله وله قيادات قوية، وقادرة على المواجهة، بينما العراق هو المشكلة، فإيران بحدودٍ كبيرة مع العراق الذي يعد أيضا منفذاً لها على العالم، وسوقاً لبضائعها، وفيه ثورة رافضة للوجود الإيراني. وكانت مشكلة إيران منذ عام 2003 مع عدم مغادرة الأميركان له نهائياً.
المصائب التي ابتلي بها العراق منذ 2003 لم تمنعه، وربما بسببها، خرجت ثورة قوية المراس، وتتجذّر يومياً، ووطنية في خطابها وممارساتها، وسلمية في أدوات نضالها، ولسان حال إيران وقاسمها يقول: لماذا لا تتسلّح، ولماذا لا ينصرها السنة؛ ثورة لها هذه الصفات 
مشكلة حقيقية. ولهذا كان لا بد من تحطيمها، وإشعال بعض المناوشات الحربية هو أفضل الخيارات. ولهذا أوعز سليماني للمليشيات غير المنضوية في الحشد الشعبي، وهذا مليشيات بدوره، ولكن قاسم استطاع إلحاقه بالجيش العراقي، وبقيت تبعيته لإيران، الأمر الذي أضعف الجيش والنظام السياسي العراقي، الضعيف أصلاً. إذاً خطة الخلاص من الثورة بإشعال المناوشات. واعتقدت القيادة الإيرانية، وضمنها قاسم سليماني، أن الولايات المتحدة التي لم تردّ على إسقاط طائرة لها في الصيف الماضي في الخليج، وكذلك لم تردّ على تفجير جزئي لشركة أرامكو اتُهِمت إيران به، وبالتالي سنضغط عليها في العراق، وبذلك نتخلص من الثورة ومن الوجود الأميركي؛ الوهم الإيراني هذا، ربما دفع إيران لتتمادى، وبالتالي، بدأت مليشيات تابعة لها بقصف مواقع عسكرية أميركية، ومهاجمة السفارة الأميركية، ولكن ذلك قاد إلى ما هو غير متوقع، وقُتل قاسم سليماني، ومعه نائب رئيس "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، وآخرون. وبذلك انتهت الأسطورة والشبح الذي كان يتنقل بين الدول العربية، ويُصدر تعليماته، ويقود المعارك، وكأنّ له قدرات فوق بشرية.
فتح مقتله باباً كبيراً للتحليل السياسي، فقد سُجّل بوصفه أهم حدث في بداية العام الجديد 2020، وهناك من رآه سيُغير من قواعد الاشتباك، وسينهي ثورتي العراق ولبنان 
والاحتجاجات الإيرانية التي تنبعث مراراً؛ كانت أميركا وإيران تتعاونان في أكثر من بلد، وتختلفان في قضايا كثيرة، لا سيما في موضوع الاتفاق النووي والوضع في العراق وقضايا كثيرة، ولكن خطورة الوضع في العراق، ورغبة إيران في فرض سيطرة كاملة على هذا البلد، والتخلّص من الثورة، هو ما فجّر الموقف بين البلدين بشكل أكثر حدّة؛ والإعلام بدوره يمتلئ بسؤالٍ كبير، ويتمحور على الرد الإيراني المحتمل.
أولاً، هدّدت المليشيات غير المنضوية في الحشد، والتي كان أبو مهدي المهندس لاعباً أساسياً في تأسيسها، بالردِّ، وستضرب القواعد العسكرية الأميركية، وثانياً إجراء تشييع لقاسم سليماني في الكاظمية والنجف وكربلاء، تعبيرا عن التبعية لإيران. وإلى ذلك، هناك تصعيد كلامي كبير من المليشيات التابعة لإيران في لبنان واليمن، ورفضَ النظام السوري ذلك القتل. ويطلق قادة إيران تصريحات كثيرة، ولكن شخصيةً كقاسم سليماني، المعتبرة ثاني شخصية في هذا البلد، تحاصر إيران وتجبرها على الرد، والتخفيف من تعارض التصريحات. الردُّ هذا تكثر التكهنات بصدده، وتميل أغلبها إلى أنّه لن يكون عبر إيران مباشرة، ولا من خلال سورية أو لبنان، وأن العراق هو الملعب، حيث النظام ضعيف، والقتل تمّ فيه، وباليد مليشيات جاهزة لتنفيذ الأوامر الإيرانية مباشرة. وبالتالي، أغلب الظن أن الرد الإيراني سيظل بالوكالة، كما هي الصراعات بين إيران وأميركا قبل موت سليماني. هذا يعني أن إيران، ولأسباب كثيرة، لن تتقدّم خطوة واحدة عما كان من قبل، ذلك أن أي تقدّم سيجعلها عرضةً لتصعيد أميركي وإسرائيلي وعربي كبير، إذاً لا خيارات إيرانية أكثر مما كان.
هل هذا يعني أن في مقدور إيران أن تُبقي سياساتها في المنطقة كما هي؟ هذا سؤال مركزي، 
وطبعاً ليست الإشارة هنا إلى تأثير شطب دور سليماني، باعتباره كان "مندوباً سامياً" ومهندساً لخطط إيران في عالمنا العربي، حيث لدى إيران سياسات مركزية في إدارة مخططاتها في العالم، ولكن هذا لا يجعلنا نهمّش دور شخصية محورية في داخل إيران وخارجها. إذاً ستتأثر إيران بالتأكيد بمقتله، داخلياً وإقليمياً. إيران التي زعمت أنها تسيطر على أربع دول عربية تواجه رفضاً لها في الدول الأربع؛ فهناك ثورات في لبنان والعراق، وهناك تهميش لها في سورية، واليمن لن يكون من نصيبها. وبالتالي إيران مضطرّة إلى التفكير مليّاً في سياساتها الفاشلة، وما فعلته أميركا، قد تكرّره في أكثر من دولة عربية، وأي خطأ ضد الوجود الأميركي حالياً سيُفهم أنه إيراني المصدر. ضمن ذلك، هناك خطوط حمر أميركية جديدة، والقضية ليست محصورة في لعبة الانتخابات الأميركية والتجديد لترامب فقط، فهناك ضرورة تخفيف الحضور الإيراني في العراق وفي لبنان. ولنلاحظ إرسال أميركا جنودا إضافيين إلى المنطقة، وارتباكات الأنظمة السياسية في هذين البلدين. وبالتالي، تلعب أميركا على المكشوف، وإيران ليست في حالةٍ تسمح لها بأكثر من إطلاق بضعة صواريخ "تافهة"، وأكثر من ذلك قد تكون له نتائج كارثية على النظام الإيراني ذاته.
أية قراءة للعلاقة بين إيران وأميركا حالياً تؤكد خطأ التصعيد الإيراني، إذ سيؤثر ذلك على النظام ذاته، ولن تكون القضية مقتل قادة إضافيين، كما تمّ مع سليماني ورفاقه. وللأسباب أعلاه، لن يكون هناك تصعيد كبير، ولن يكون هناك تغيير كبير في قواعد الاشتباك، ولكن إيران ستكون أضعف بغياب قاسم سليماني، وكذلك كل مليشياتها، والسؤال دائماً: هل تعي إيران فشل سياساتها الإقليمية والداخلية؟ هذا بالضبط ما يفترض التفكير فيه وفقط.