"أسرار رسمية".. والنوايا المتجدّدة للحرب

"أسرار رسمية".. والنوايا المتجدّدة للحرب

23 سبتمبر 2019
+ الخط -
تساوقا مع ما يحدث من نذر حربٍ، يقودها الغرب ووقودها العرب، يعرض هذه الأيام فيلم هوليوودي، إنتاج سنة 2019، يعيد إلى الواجهة "نظرية المؤامرة" التي تحيكها أميركا وبريطانيا، حمايةً للمشروع الصهيوني، وإيغالا في التدمير الحضاري للأمة العربية والإسلامية. البطولة في فيلم "أسرار رسمية" للأميركية كيرا نايتلي والفلسطيني آدم بكري، إخراج الجنوب أفريقي جافن هود. يفضح الخيوط الخفية لإصرار بريطانيا وأميركا على تدمير العراق وحضارته العريقة وإغراقه في التخلف والتعصب الديني، مستخدمتيْن في ذلك مبرّرات متناقضة وملفّقة، تُعرّي المخططات بعيدة المدى للتدمير البنيوي والمعنوي للعراق، والأمة العربية عموما. 
جاسوسة بريطانية يتملّكها شعور مضاد للحرب ضد العراق التي كانت على الأبواب، لمّا كانت الدعاية الإعلامية البريطانية والأميركية تنشر أقاويل تجدها الجاسوسة مضحكة، من قبيل أن صدّام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، ويدعم تنظيم القاعدة مادّيا. وحين تظهر صور الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، تصرخ، من بيتها، في وجهيهما: "أيها الكذابان". وتهتف في أثناء أحد المشاهد: "صدام حسين دكتاتور ولكنْ لا يمكن أن يكون متعصّبا دينيا".
بحكم عملها في الاتصالات البريطانية، تتلقى البطلة من شخصٍ في المخابرات الأميركية رسالة موجّهة إلى المخابرات البريطانية، يطلب فيها المساعدة في التجسّس على الأمم المتحدة، للتأثير عليها لإصدار قرارٍ بضرب العراق وتدميره. ولكنّ المرأة التي تناهض الحرب في دواخلها، من دون أن تجرؤ على التصريح بشعورها بسبب طبيعة عملها، تسعى إلى نشر الوثيقة في إحدى الصحف، فترسل إلى صديقةٍ لها تثق بها لتسليم الوثيقة إلى صحافي ينشرها، مفجّرا بذلك قنبلة في الإعلام. ما يدفع الإدارة الأميركية إلى القول إن الوثيقة مفبركة، استنادا إلى أن كلماتٍ فيها إنكليزية وليست أميركية، والسبب أن مصححة الصحيفة أخضعت الخبر، حسب العادة اليومية، للمراجعة اللغوية، فبدّلت المفردات الأميركية بأخرى إنكليزية؛ لكن الوثيقة تسرّبت على الرغم من ذلك كله، ما أجج جانبا من الرأي العام البريطاني المناهض للحرب.
ستعاني البطلة من سلسلة من الحروب النفسية، بعد أن كُشف أمرها نتيجة اعترافها، حين بدأت المضايقات تطاول زملاءها في العمل بحثا عن مسرّب المعلومة، فذهبت بنفسها إلى فريق المحققين السرّيين، وأدلت لهم باعترافها. وأودعت، على إثر هذا الاعتراف، في زنزانة انفرادية، وجرى تفتيش بيتها، وتعرّض زوجها، ذو الأصول الكردية العراقية، لمضايقات.. قبل أن يُفرَج عنها إلى حين محاكمتها، ولكن المضايقات ظلت تلاحقها ولاحقتها الضغوط طوال مدة الفيلم.
وفي ظل الحرب النفسية ضدها، أخِذ زوجها، من دون سابق إشعار، إلى المطار لترحيله من بريطانيا، بذريعة أنه لم يُنهِ بعد إجراءات الحصول على أوراق الإقامة؛ ثم أرسلوا في إثرها ليخبروها بالقرار، فيجنّ جنونها، لتعيش في دوامة مرعبة، ويستبدّ بها الشعور بأن العالم كله ضدها. وبعد تدخل أصدقاء لها، يعاد زوجها من المطار، لحظات قبل انطلاق الطائرة.
والمثير للاستغراب أنه، في وقت محاكمتها، يتنازل الادعاء العامّ فجأة عن القضية، في ظل دهشة ممزوجة بالفرح، لكنّ المحامي يصر على طلب الوثائق من الحكومة. وفي هذه اللحظة، يحتدم الجدل بين المحامي المحنّك والمدعي العام، مع أنهما صديقان يلتقيان في المساء أمام الشاطئ لصيد السمك. وفي نهاية المحاكمة، يطلب القاضي من البطلة أن تغادر ردهات المحكمة، فقد سُحبت الدعوى القضائية. وفي نهاية الفيلم، يسأل المحامي صديقه المدّعي العام عن سبب كل هذا التعذيب النفسي للبطلة، طالما أنكم قرّرتم، في النهاية، سحب القضية، فيجيبه المدّعي العام: لكي تكون عبرةً لغيرها. هنا يطلب المحامي من صديقه البحث عن بقعة أخرى في الشاطئ، تكون بعيدة عنه.
أحداث مماثلة قيد الحدوث "واقعيا" في الشرق الأوسط، بعد ارتفاع وتيرة المستجدّات الميدانية منذرة بحربٍ، خصوصا بعد كشف استعمال أسلحة إيرانية في الهجوم على مؤسسة أرامكو النفطية السعودية. وكلنا نعرف أن النفظ هو سرّ اهتمام أميركا والغرب بالمنطقة، بما يشبه تكرار "السيناريو" ذاته لتوريط إيران والسعودية في حربٍ عبثية، يصعب التكهن بتداعياتها الإنسانية والمادية.
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي