ماذا بعد خان شيخون؟

ماذا بعد خان شيخون؟

25 اغسطس 2019
+ الخط -
أكمل النظام في سورية، قبل أيام، سيطرته على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي. كان التوغل فيها سريعاً بدعم مباشر من القوات الروسية، وقد شوهدت لقطاتٌ لجندي روسي يتحدث بالروسية، ويلفظ اسم خان شيخون بوضوح، وتبدو خلفه مئذنة قريبة، ما يعني أن الجندي يتحدّث من وسط تجمع سكني رئيسي في وسط المدينة.. الدخول الكامل إلى خان شيخون يعزل منطقة الريف الشمالي لحماة، بما فيها نقطة مراقبة تركية في بلدة مورك لم يُخلها الجيش التركي، فيما يبدو تمسّكاً من الأتراك بما تم الاتفاق عليه سابقاً، فقد تأسّست هذه النقاط لتراقب مناطق التهدئة، وصرّح مسؤول عسكري تركي إن هذه النقطة العسكرية باقية في مكانها لمتابعة مهامها. هذه ليست منطقة التهدئة الأولى التي يجتاحها النظام بمعونة روسية مباشرة، في تخطٍ واضح لاتفاقات سوتشي، لكن الجديد هو ظهور العسكريين الروس المشاة علنا في شوارع خان شيخون، ما يعني أن هجوم خان شيخون قد تم بمباركة كاملة من روسيا، فيما أوضحت تركيا موقفها بالتمسك الشديد بنقاط المراقبة العسكرية، وهي تنتظر من الروس إجابات على أسئلةٍ كثيرة بعد هذا الهجوم.
ما زال الطرفان الروسي والتركي يتحدثان عن تنسيق واتصالات بشأن إدلب، وهناك اجتماع ثلاثي على مستوى القمة بين أطراف "سوتشي"، يُعقد في تركيا خلال الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول)، فالوضع السياسي يحافظ على ركوده، على الرغم من الأجواء العسكرية الملبّدة، وقد لا تنفع قراءة التصريحات السياسية في استقراء المستقبل القريب للمنطقة الملتهبة والمرشّحة لملايين جديدة من اللاجئين.
لم يتوقف جيش النظام عند خان شيخون، بل تابع التقدم ببطء نحو تضييق الحلقة حول الجيب المحاصر شمال حماة. وواضح أن نيته الآن تتجه نحو الانقضاض جنوباً للسيطرة على كامل الجيب المحاصر، وتوسيع مناطق النظام، ليُدخل حماة مع ريفها في سيطرته، مع تسجيل لطلعات جوية وقصف على مناطق في محيط معرّة النعمان، المدينة المهمة التالية على الطريق الدولي الواصل بين دمشق وحلب، فيما يلاحظ دخول أرتال عسكرية تركية إضافية عبر الحدود السورية ــ التركية، وهناك شواهد على تعزيزات عسكرية لنقاط المراقبة التركية. وعلى الرغم من تمدّد جيش النظام أخيرا، فإن الوجود العسكري التركي لم يتزحزح، ولم يحاول طرفا الهجوم العسكري، الروسي والسوري، الاقتراب منها، أو تهديدها بشكل مباشر، على الرغم من ضخ النظام الإعلامي ضدها.
لن يتوقف القصف حول معرّة النعمان، وربما يستمر حتى خلال الاجتماع الثلاثي المزمع عقده في أنقرة، وهو من علامات الإنذار التي توضح نيات التقدّم التالية. ولكن هنا يجب التوقف قليلاً، فمعرّة النعمان هدف يختلف قليلاً عن خان شيخون، ووضعها العسكري مختلف أيضاً، إذ يحتاج التقدّم إليها تحريكَ محور جسر الشغور، وخصوصا أن النظام وروسيا سيعتمدان الخطة الكلاسيكية نفسها بالهجوم من محورين، لعزل مساحة محدّدة، ثم الاستفراد بها من الأرض والسماء. تتوسّط معرّة النعمان دائرة نصف قطرها 15 كيلومتراً تحرّكت إليها كل الوحدات العسكرية المنسحبة من خان شيخون وما حولها، بالإضافة إلى وحدات عسكرية تركية، لن تشارك مباشرة في القتال، ولكنها ستكون نقاط "مراقبة" إضافية، تصعِّب تقدّم قوات النظام وروسيا. وعلى هذا الحشد أن ينتظر إلى ما بعد انتهاء الاجتماع الثلاثي في أنقرة، حيث يمتلك الرئيس أردوغان نقطة قوة مؤثرة، وهي الاتفاق الأميركي ــ التركي حول منطقة عازلة شمالاً شرقي الفرات، ما يعني أن هناك تقارباً بينهما. ويدرك الرئيس الروسي، بوتين، أن أي تقارب من هذا النوع سيكون حتماً على حسابه الخاص، وعندها ستكون صفقة صواريخ إس 400 خاسرة بالنسبة لبوتين، حيت تبدأ بعدها مباشرة خطة تقارب أميركي ــ تركي. أما على الأرض ستنعكس على شكل جمود للوضع الراهن، وإن استمر القصف المتقطع.