الديكتاتورية ومواجهتها

الديكتاتورية ومواجهتها

22 يونيو 2019
+ الخط -
يُقال دوماً إن "بعض الشعوب لا تستحقّ حرية"، أو "لا تستحقّ أنظمة ديمقراطية"، لا بل يُقال إن "النظام الديكتاتوري هو أفضل لها". يعلّل أصحاب هذا القول كلامهم بالإشارة إلى كيفية تصرّف هذه الشعوب بشكل عام، وكيفية تعاملها مع مختلف القضايا المتعلقة بها، خصوصاً في سياق علم الاجتماع. ويعتبرون أن الأخلاقيات المفقودة في دول عدة أو النظرة إلى الحقوق الإنسانية، سواء حقوق الطفل أو المرأة أو البالغين، أو الموروثات الدينية والاجتماعية، تُحكم الطوق على تفكير الفرد، وبالتالي المجتمع. والخلاصة بالنسبة لأصحاب هذا القول أن "الحرية ستؤدي إلى تردّي الأخلاقيات أكثر، وترسيخ الموروثات من دون تطوير. وبالتالي، الديكتاتورية هي الحلّ".
حسناً، لنعتبر أن الديكتاتورية هي الحلّ. وماذا بعد؟ بما أن الحتمية الأساسية في الحياة أن الزمن لا يتوقف، وعناصره متحرّكة، فكيف نضمن استمرارية الديكتاتورية فترة طويلة، أو "إلى الأبد" في بعض المفاهيم، من دون أن نضمن انفجاراً مجتمعياً ما بوجهها، يؤدّي حكماً إلى تغييراتٍ عنيفةٍ في تركيبة سلطة أو دولة، من دون توقع نتائجها التي قد تكون كارثية أو ناجحة؟ لنعتبر أن أبطال الديكتاتورية تمكّنوا من استنساخ قادة موالين لهم، بغية تأمين ديمومة النظام، حينها ما الذي يمنع أن يكون القادة الجدد أضعف ممن سبقوهم، فقط لأنهم تسلّموا شيئاً "لم يصنعوه"؟ لنفترض أيضاً أن صناعة الديكتاتورية، بالعنف والدم والنظام الأحادي وإشعار الناس بالضيق، وصلت إلى جدار مسدود، في ظلّ انعدام القدرة على تطوير المنظومة الدموية، على وقع اكتشاف الشعب الرازح تحت نير الدكتاتورية، معاني الحرية أو الديمقراطية، وبالتالي "إسقاط الألوهية عن الزعيم"؟
يؤدّي ذلك كله إلى حتمية موازية لحتمية الزمن: لا شيء يبقى على حاله. كل شيءٍ معرّض للتغيير، ولولا التغيير لما وصلت البشرية إلى هذه النقطة من تاريخها. من الطبيعي، وفقاً لهذه الحتمية، أن الديكتاتورية، بمفهومها الأحادي، ستزول في يومٍ ما. كما أن في إسقاط نظام ديمقراطي غربي على دولةٍ شرق أوسطية ما يكفي من الظلم بحقّ هذه الدولة. على كل نظام ناشئ من أي مجتمع أن يكرّس ثوابت محدّدة، كالحرية والمواطنة وحقوق الإنسان، وبعدها ليُنشئ ما يريد من نظام ضمن الإطار الديمقراطي، طالما أن الثوابت مكفولة.
أيضاً، لا يُمكن السماح بتسليم أوطانٍ أو إدارتها من أشخاصٍ يدّعون حرصهم على الحريات والمواطنة وحقوق الإنسان، وهم في الواقع عنصريون مستترون، أو طائفيون، أو أتباع المذاهب الديكتاتورية في السلوكين، الفردي والجماعي. أمثال هؤلاء يصبحون "طغاة"، فنعود مجدّداً إلى الدائرة الأولى، وكأن شيئاً لم يكن. من الضروري في كل قيادة لدولة ألا تكون القرارات أحادية، بل تسودها قوانين متغيرة، وفقاً لحركية المجتمعات. بالطبع إن سلطة القوانين، وخضوعها لإرادة الحرية، لا تعني إطلاقاً تحوّلها إلى قبضة قمعية.
صحيح أن المسار بالنسبة لبعضهم يبدو طويلاً، وبالتالي يُمكن إرجاؤه "حتى تستقيم الظروف"، لكن هناك من ينسون أن الظروف وليدة قرار، والقرارات تُتخذ بناء على حالة ما، والاستعجال في اتخاذ مثل هذه القرارات ضروري، كي لا نصل بعد 50 عاماً إلى تماسٍّ حادٍّ بين السلطة والشعب، يُمكن أن يؤدّي إلى توسّع دائرة الدمّ والعنف. لا يُمكن السماح لمؤيدي فكرة "الديكتاتورية في العالم العربي" بالاستمرار في تسويق طروحاتهم، فهم يريدون حكماً ديمومة هيكلية مبنية على الفساد وسوء استخدام السلطة والقمع. هؤلاء كأنهم شركاء لديكتاتوريي أوروبا في القرون الوسطى، وسقوطهم حتميّ.
مشكلتنا أساساً في العالم العربي نابعة من فكرة أن "القائد هو صاحب السلطة المطلقة". وهو أمر موروثٌ حتى في أماكن العمل والدراسة والقطاع العام وكل تفاصيل الحياة. هذا ما يجب أن يسقط. تحتاج هذه الهالة إلى هزّة، لأن قيمة البشر أجمعين أكبر بكثير من الخضوع لنظامٍ يقمعهم أو سلوك فردي.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".