الانقلاب على التجربة المصرية

الانقلاب على التجربة المصرية

05 مايو 2019
+ الخط -
صرخة "أوعى تسيبوا الميدان" التي أطلقها نشطاء مصريون، ولكن بعد فوات الأوان، يبدو أنها وصلت بقوة إلى جيرانهم في السودان الذين يواجهون بتصميم محاولات العسكر الاستئثار بالسلطة خلال فترة انتقالية، قد تمتد إلى ما لا نهاية. من الواضح أن السودانيين يأخذون من السيناريو المصري درساً يحتذى، محاولين تجنب كل الأخطاء التي وقع فيها رفاقهم في ميدان التحرير، وهو ما ظهر من اللافتات التي رفعت وتحولت إلى وسوم على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "إما النصر وإما مصر"، ما يعني أن الهاجس المصري يسكن عقول السودانيين الذين يسعون للخلاص من حكم ديكتاتوري، من دون الدخول في آخر يحمل الصفات نفسها لكن بمسمياتٍ مختلفة. والأمر لا يقف عند الحكم العسكري، بل يتعدّاه إلى امتداداته، الإقليمية تحديداً، وهو ما وضعه المتظاهرون السودانيون في عين الاعتبار أيضاً.
عدم الخروج من ساحة الاعتصام، واستمرار الضغط بالتظاهرات، هو الدرس الأول المستفاد من التجربة المصرية، ولا سيما بعد خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك، وما رافقه من مرحلة شبيهة اليوم بما هو حاصل في السودان، لجهة تولي المجلس العسكري الحكم خلال فترة انتقالية، مهد خلالها الأدوات للانقلاب على الثورة المصرية تدريجياً، على الرغم من إجراء انتخابات ديمقراطية فعلية هي الأولى في مصر الحديثة، والتي أوصلت محمد مرسي إلى الرئاسة، وهو الذي كان مكبلاً، برضاه في أحيان كثيرة، بنفوذ القوات المسلحة وبقاء الكلمة العليا للمجلس العسكري، وهو ما أوصل في النهاية إلى انقلاب الثالث من يوليو /تموز 2013. 
ما تقوم به المعارضة السودانية اليوم، بأطيافها المختلفة، هو محاولة لتجنب الدخول في "الفخ المصري"، والضغط باتجاه إخراج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي بشكل كامل، وهو أمر لن يكون سهلاً بالتأكيد، ويحتاج إلى نفسٍ طويل، يؤمل أن يكون موجوداً لدى المعارضة في السودان والمعتصمين في الميدان، فالمجلس العسكري الانتقالي، ومن خلفه مليشيات الدعم السريع التي أسسها الرئيس السابق عمر البشير، لن تسلم المكتسبات التي حققتها على مدى الثلاثين عاماً الماضية بسهولة، ولن تكتفي بالدور الطبيعي لأي جيش في العالم، وهو حماية الحدود والحفاظ على البلاد من الاعتداءات الخارجية. هذا ما توضحه مجريات الأمور في المفاوضات القائمة بين المجلس الانتقالي ووفد المعارضة، فالعسكر يريدون تمثيلاً في الحد الأدنى للمدنيين، من باب رفع العتب، ريثما يتمكنون من ترتيب مجريات الفترة الانتقالية التي قد تسمح لهم بالمضي في الحكم، سواء بشكل مباشر أو من خلف الكواليس.
الدرس الآخر المستفاد من مصر، والذي يبدو أن السودانيين واعون له، حتى الآن، هو محاولات رموز الثورات المضادة في العالم العربي، والحديث هنا تحديداً عن السعودية والإمارات، ومعهما النظام المصري الذي هو عملياً صنيعتهما، الدخول على خط الوضع القائم اليوم في السودان، وضخ ما أمكن من دعم سياسي وعسكري ومالي للمجلس الانتقالي الحالي، والسعي بشكل حثيث لمنحه الشرعية الإقليمية والدولية. هذا ما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استضافته القمة الأفريقية المصغرة، وما تسعى له السعودية والإمارات عبر تأمين زيارة لوفد من المجلس الانتقالي إلى واشنطن. ومن المؤكد أن عناوين اللاجئين ومكافحة الإرهاب ستكون حاضرة في مساعي شرعنة وجود المجلس العسكري، باعتباره الوحيد القادر على ضبط الأوضاع في البلاد التي عانت في السابق من حروب أهلية ومحاولات انفصالية، ولا تزال.
في مواجهة هذه المساعي، على المعارضة السودانية اليوم التقدم خطوة إلى الأمام، وعدم الاكتفاء بمفاوضاتها مع المجلس الانتقالي، بل الذهاب أبعد من ذلك، وتحضير تصور كامل للانتقال الديمقراطي في البلاد، من دون وجود للعسكر، والذهاب به إلى العواصم الدولية، لقطع الطريق على المحاولات السعودية والإماراتية، والانقلاب على التجربة المصرية.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".