اضربوهن.. واضربوهم أيضاً

اضربوهن.. واضربوهم أيضاً

01 يونيو 2019
+ الخط -
كيف تكون صفة ضرب الزوج لزوجته علاجاً لنشوزها؟ ناقش شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب، في برنامجه الرمضاني هذا السؤال الحيوي الجديد جداً، وجاءت إجابته التجديدية أن هذا الضرب هو العلاج الأخير "حين يكون الزوج مضطراً، إما يستخدمه أو تذهب الأسرة بأكملها"، وهذا الضرب "لا يكسر عظماً ولا يؤذي عضواً"، ثم وصل إلى قمة السماحة، قائلاً إن المقصود به، في هذا الزمان، الضرب الرمزي، لا باليد، بل بأداة كفرشاة الأسنان.
تختلف المدارس الإسلامية السائدة تماماً في مواقفها السياسية التي تؤصّل لها دينيا، لكنها لا تختلف أبداً في الأدوات التي تستخدمها للوصول إلى هذا التأصيل، وهو ما ينعكس واضحاً في التشابه في المنتجات الاجتماعية، فالمجلس الإسلامي السوري المعارض الذي أصدر فتوى تلتمس الأعذار لجريمة قتل الشرف لا يختلف، في هذه النقطة، عن شيوخ آخرين سوريين موالين للنظام أو معتزلي الفتنة، وما فتاوى الشيخ فتحي الصافي التي كان يغلفها بسخريةٍ جارحةٍ بعيدا.
لا يمكن لشيخ الأزهر، والمدرسة الإسلامية التقليدية، تجاوز "واضربوهن" بأي وسيلة جذرية، فعلى سبيل المثال فتح الباب لتفسير "الضرب" بمعنىً لغوي آخر، كالابتعاد عن الزوجة، كما بالمعنى بآية "فإذا ضربتم في الأرض.." يؤدي إلى فتح الباب، لاستخدام أدوات معرفية جديدة لم تستخدم بالماضي، خصوصا مع تقدم علوم اللسانيات وغيرها، وهو ما قد ينعكس أثرا أوسع بكثير. أو إذا تم استخدام "تاريخانية النص" القائل بها نصر حامد أبو زيد وغيره من زمن بعيد. وقيل كان هذا النص خاصاً بمن نزل عليهم البدو في صحاري الجزيرة قبل 1400 عام. أما اليوم فقد تجاوزنا ذلك، ولم تعد المرأة تقبل الضرب، أيا كانت صفته وشكله وسببه، فإن هذا يفتح الباب لتطبيقٍ أعم بكثير، وهو أيضاً يهدّد سلطة المؤسسة التقليدية الدينية، قبل السياسية.
تسعى السلطات السياسية إلى ترسيخ طبقات السلطات الاجتماعية أيضاً، زوج له مزايا لمجرّد كونه ذكراً، له حق "تأديب زوجته"، حين يرى أنها "ناشز"، بمعنى أنها لا تطيعه، وهي طاعة في أي شيء بلا تفسير "ما لم يأمرها بمعصية"، يشمل منع خروجها من المنزل أو زيارة أهلها أو دخول صديقاتها إلى منزلها، إلى غيرها من النماذج العبثية التي يسوقها الشيوخ. هذا الزوج الذي يُمارس السلطة المكتسبة بالميلاد، والزوجة التي تُمارس ضدها، مؤهلان للخضوع لممارسات سلطةٍ سياسيةٍ مكتسبة جبراً أيضاً. ولكن من اللافت هنا أن الواقع يتجاوز بالفعل النص والفتاوى، ولكن من دون تنظير، ومن دون شعور الفاعلين أنفسهم بذلك.
احتوت تعليقاتٌ على حديث شيخ الأزهر غير قليلة على التناقض، بين أن أصحابها مقتنعون بهذا التفسير للنص، وبين أنهن زوجاتٌ لن يقبلن أبداً مساساً من أزواجهن، وأهال يؤكّدون أنه يوم يجرؤ الزوج على ابنتهم سيعيدونها إلى منزلها فوراً. يتسق هذا مع واقع مصري، فيه نحو ثلث الأسر المصرية تعيلها نساء، ما يجعل جبال الخلاف بشأن عمل الزوجة وطاعة الزوج و"قوّامون بما أنفقوا" أموراً هزلية.
بل قالت دراسة إن نسبة ضرب الزوجة للزوج في مصر وصلت إلى 28%. وهنا لا يمكنهم اعتبار أن الزوجة قد "تُصلح الزوج الناشز"، مهما بلغ تعليمها أو أخلاقها أو ثقافتها أو دخلها المالي، بالتأكيد المرأة فقط هي من تنشز، وهنا تظهر التفسيرات الاقتصادية والاجتماعية.
يسبق الواقع النصوص والتنظير، ثم تلاحقه. ينطبق ذلك على عشرات الأمثلة، بدءا بتحريم شرب القهوة وإلغاء تجارة العبيد وانتهاءً بتحريم التصوير الفوتوغرافي والتلفزيون. قطار العصر الجديد والجيل الجديد يحاول بجهد عبور حواجز السلطات السياسية والاجتماعية والدينية المتداخلة، ولعل يوماً ركّابه يشيرون إلى من خلفهم، قائلين: فاتكم القطار.

دلالات