موسم اللعب على المكشوف

موسم اللعب على المكشوف

25 ابريل 2019
+ الخط -
تكتمل الصورة في الإقليم بعد التطورات الراهنة في ليبيا والسودان والجزائر، حيث بات الأمر يتعلق بموجة ثانية للربيع العربي، تحاول فيها قوى الحراك الشعبي الاستفادة من أخطاء تجارب الموجة الأولى، خصوصا في مصر، وفتح المجال أمام تحوّل ديمقراطي يستوعب ميزان القوى الداخلي والتقاطبات الإقليمية والدولية.
وإذا كانت الموجة الأولى فرضت على محور الثورة المضادة التصدّي للثورات العربية بشكل غير مباشر، بالتفافه عليها، وتحريف مساراتها، واستثماره أخطاء القوى التي قادتها، فالوضع يختلف، الآن، أمام إصرار هذا المحور على إنهاك الحراك الذي يتطلع نحو إنهاء الاستبداد، والقطع مع الفساد، وإقامة أنظمةٍ ديمقراطيةٍ منتخبة، تنهض على المواطنة وحكم القانون والمحاسبة. ولا مبالغة في القول إن ما يحدث الآن في المنطقة معركة ''كسر عظم'' بين الطرفين، في ضوء اليقظة اللافتة التي يبديها الحراكان في السودان والجزائر في مواجهة مناورات العسكرتاريا الحاكمة في البلدين.
وفي وقتٍ يتطلع هذا الحراك إلى اجتثاث اثنين من أكثر الأنظمة فسادا في المنطقة، يستميت محور الثورة المضادة (الإمارات، السعودية، مصر) في إجهاض محاولات التحول الديمقراطي، ولا أدلّ على ذلك من نجاح عبد الفتاح السيسي في دفع الاتحاد الأفريقي إلى تمديد المهلة التي منحها للمجلس العسكري في السودان بتسليم السلطة للمدنيين، لتصبح ثلاثة أشهر بعدما كانت أسبوعين.
في المنحى نفسه، كان دالا ما قاله الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن الأزمة الليبية، حين أثنى على دور خليفة حفتر في مكافحة الإرهاب وتأمين الموارد النفطية. ويعني هذا التصريح أن الإدارة الأميركية ترى أن مصالحها الاستراتيجية تقتضي دعم حفتر، ما يجعل موقفها يتقاطع مع مواقف الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وروسيا بشأن هذه الأزمة. كما أن دعمها نظام السيسي يقتضي منها ضرب أي محاولةٍ لبناء حزام ديمقراطي حول مصر، ما يعني أن دعم حكومة الوفاق الوطني ليس في مصلحة نظام السيسي على المدى البعيد، خصوصا بعد سقوط عمر البشير في السودان.
إصرار القوى الإقليمية والدولية على ضرب مشاريع التحول الديمقراطي يفرض تحدياتٍ جسيمةً على الحراك الشعبي، ذلك أن الاحتشاد في الشوارع والساحات، والنجاحَ في إجبار هذا الرئيس أو ذاك على التنحّي، ليسا إلا بداية الطريق، بسبب ضعف مؤسسات الوساطة والتأطير، وعجزها عن الالتحام بدينامية الحراك والإسهام في تدبير انقساماته الفكرية والأيديولوجية والمجتمعية والسياسية، واجتراح التوافقات الكبرى.
لم تعد إشكالات التغيير السياسي والاجتماعي في المنطقة رهينة حساباتٍ داخلية فقط، بقدر ما أضحت، كذلك، مرتبطةً بالتوازنات والمصالح الإقليمية والدولية، العابرة للحدود والجغرافيات السياسية. ولذلك، أصبح الحراكان في السودان والجزائر في حاجة ماسة لخريطة طريق واضحة، تتجاوز إسقاط النظام بكل رموزه وبنياته، نحو صياغة برنامج سياسي يستوعب التناقضات الداخلية، بما يمكّن من الانعطاف بمطالب المحتجين، في البلدين، نحو تحول ديمقراطي بدون تكاليف كبيرة، يأخذ بالاعتبار ميزان القوى الداخلي، واصطفافات النظام الدولي، ضمن رؤية استراتيجية واضحة، تتقاطع فيها إكراهات الداخل والخارج.
كان رفض الحراك في السودان والجزائر التدخل الإقليمي والدولي دالا ومعبرا، إذ أظهر مدى استيعاب الجيل الجديد من الانتفاضات الشعبية العربية دروس الثورة المصرية، وما آلت إليه هذه الثورة بعد الانقلاب المعلوم. غير أن ذلك ليس كافيا على ضوء ما يتوفر لدى محور الثورة المضادة من إمكانات مالية ولوجستية، وبعض النفوذ في مواقع صنع القرار الدولي، الأمر الذي يخوّله خلط الأوراق، والحيلولة دون تحقيق هذه الانتفاضات أهدافها.
وتكفي العودة إلى الحراكين في السودان والجزائر لنتبيّن حجم الصعوبات التي تواجه التحول الديمقراطي في المنطقة، فلم تتم إزاحة عبد العزيز بوتفليقة والبشير إلا بعد أن تأكد العسكر في البلدين أنهما باتا ورقتين محروقتين، وعبئا يجب التخلص منه، حتى يكون في وسعهم ضمان موقع لهم في ترتيبات المشهد السياسي المقبل.
.. نعيش موسم اللعب على المكشوف، من خلال مواجهة بين محور يعاند منطق التاريخ، ليبقى العرب خارج حكم الديمقراطية والقانون، وحراك شعبي يتطلع إلى تفادي تكرار أخطاء انتفاضات 2011، وهو أمر لا يبدو متاحا بسهولة، في ظل تزايد حدة التقاطبات الإقليمية والدولية في المنطقة.