كارثة اسمها الشُّهْرة

كارثة اسمها الشُّهْرة

05 مارس 2019

(بول غيراغوسيان)

+ الخط -
مذهلٌ هو عدد المدوّنات والمواقع التي لا تعلّمك كيف تصبح كاتباً، بل كيف تصير مباشرة كاتبا ناجحا ومشهورا، يبيع آلاف النسخ، وينعم بثروةٍ مريحةٍ تبيح له إنجاز ما يريد، كأن يجول في العالم، حيث يتهافت القرّاء من مختلف البلدان على قراءة أعماله المترجمة إلى معظم اللغات. هذا كلّه مطروح على الشبكة العنكبوتية من خلال عددٍ معيّن من الخطوات لا أكثر، فأنت يمكنك أن تتعلّم كتابة رواية أو مسرحية أو أيّ نصّ أدبي من دون امتلاك أيّة خلفية أدبية أو ثقافية، في سبعة أيام، أو من خلال تنفيذ سبع نقاط معيّنة، أو بالأخذ بسبع نصائح تضعك على الطريق الصحيح، أي على درب النجاح الذي هو هنا حصريا درب الشهرة وذيعان الصيت، فالشهرة وما يرافقها من صخب وقرع على الطبول باتت هي المرام، في حين لا يقلق الكاتبُ الشابّ سوى لكيفية ترشيحه لنيل الجوائز، وذلك قبل أن تشغله أية مسائل إبداعية، تحدّد مستوى عمله أو مقدرته على إنجاز عملٍ يستحق النشر أصلا.
عام 1938، بلغت مسرحية "رجال وفئران" للكاتب الأميركي، جون شتاينبك (نوبل للآداب 1962)، مستوىً من الشهرة جذب إليها في أثناء جولتها على المسارح أعدادا متزايدة من المشاهدين، في حين جعل كبار الممثلين يتنازعون على تجسيد أدوار شخصياتها، إلا أن كاتبها، البالغ يومها 36 عاما، عاش أسوأ لحظات حياته، إذ استبدّ به القلق، ففقد كل راحة ومتعة، عندما شعر بتبدّل سلوك الآخرين حياله، وأدرك أن عليه من الآن فصاعدا أن يحافظ على سمعته كاتبا. هكذا راح يشكّك بقدرته على تأليف كتاب "حقيقي" من جديد: "هذا من أكبر مخاوفي على الإطلاق. أنا أعمل عليه، لكنني لا أستطيع قول شيء. ثمّة ما تسمّم بداخلي".
من جانبه، روى الكاتب المسرحي الأميركي المعروف، تينيسي وليامز، مؤلّف مسرحيات ناجحة كثيرة تحوّلت إلى أفلام سينمائية معروفة (وهو كاتب قصص قصيرة وشاعر)، تجربته مع النجاح في كتابٍ سماه "كارثة الشهرة". في عمله هذا، يروي وليامز السنوات الأولى التي كان فيها مغمورا، ثمّ تحوّله فجأة إلى نجم مشهور، مع نشر نصّه المسرحيّ "حظيرة الوحوش الزجاجية" (1944) الذي يستوحي حياته الشخصية وخلفيته الأسريّة، حيث الأب مدمن كحول مستبدّ، والأخت تعاني من الفصام والأم هستيرية. بعد ذلك، توالت النجاحات مع صدور أعماله الأخرى، "عربة اسمها الرغبة (1947)، "قطة على سقف صفيح ساخن" (1955)، و"طائر الشباب الجميل"(1959).غير أنه، لاحقا، حاول تبنّي أسلوب جديد لم يحظ بإعجاب الجمهور الذي تحوّل ميلُه إلى الأعمال الكوميدية الخفيفة.
في كتابه "كارثة الشهرة"، يقول: "إن الكتابة هي النشاط الإنساني الأكثر وحدة. ومع ذلك، فإني، في كل مرة ألتقي كاتبا شابا من أولئك الذين أصبح كتابهم الأول على رأس قائمة المبيعات، أو استُقبلت مسرحيتهم الأولى بحماسة كبيرة، ونجحت في برودواي، يتهيَّأ لي أني ألمح من خلفه حشد معجبيه، مريديه ورفاقه المستقبليين. وبما أني ما زلت أحوي ما يكفي من الإنسانية، فإني أشعر تقريبا برغبة في البكاء، وأنا أفكّر بما ينتظره. لأن الكتابة هي فعلا المهنة الأكثر وحدةً، ولأنها يجب أن تكون هكذا، فهي حين تصبح سلوى عامّة، فإن المؤلٍّف الشاب، هذه الموهبة الجديدة، يصبح غرض تدمير عنيد منذ لحظة ولادته كفنّان".
هذا ويصف تينيسي وليامز ردود فعل الناشر السعيد ومعاونيه، أو المنتج ومساعديه، ومن يهتمّون بالترويج الدعائي، وكذلك المذيع الإذاعي والتلفزيوني، وأولئك الذين يتهافتون على دعوته وتكريمه، مضيفا أن ذلك يشعره بأنه يضع على قبر الكاتب أكاليل الزهور، تماما كما يفعل الآخرون.
هل ما زالت الشهرة "كارثة" في يومنا هذا، وقد جُعل الكتابُ سلعةً تجارية كسواها، والكتّابُ مجرّد مروّجين وبائعين؟
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"