الأنا السلبية تقتل الإيجابية

الأنا السلبية تقتل الإيجابية

28 مارس 2019
+ الخط -
مجرد وجودك في الحياة، وأنت تعيش مع آخرين، يعني أنك تتحمل مسؤولية ما، مسؤولية احترام حق من هم حولك، حقهم في حرية الاختيار، مثل حقك في ذلك. إدراك كيفية ممارسة مسؤولية سبل ووسائل التعايش والاحترام ولغة التخاطب والرقي في التعامل لبناء جسور الثقة، تقرّب المسافات مع الآخر، فالسلبية هي سوء الظن وتعكير صفو الحياة، ليتحول حقك كابوساً لدى الآخرين، هي اللوم المستمر للآخر في منأى عن لوم الذات، مع العلم أنّ الحق الخاص يسقط عند تناقضه مع الحق العام الذي يضبط التعايش واحترام الآخر وعدم المساس بكرامته وإنسانيته وحقه. أنت ملزم، مثلك مثل الآخرين بالعقد الاجتماعي الذي ينظم الحياة العامة والعلاقات بين الناس، وأنت جزء من هذا التنوع الذي يثري الحياة وينميها ليكون كل من حولك سعداء. المسؤولية هي حرية، حرية الآخر قبل حريتك. وأخطر ما يهدّد المجتمعات هي التبعية، فاليوم، نحن نشعر بأهمية تلك الحرية وخطورة تلك التبعية، إذ قال النبي الحبيب، محمد، صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته..". وإذا استوعبنا مسؤولية الإنسان على تصرفاته وسلوكه اتجاه الآخرين، استطعنا تجاوز كثير من المشكلات التي تواجهنا اليوم، وأساسها حب الذات وعنجهية الأنا وصلف الأنانية، وشهوة السلطة والتسلّط على رقاب الآخرين.
كل الرسالات السماوية نزلت على الناس طاهرة شفافة لا لون لها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فأي ثورة أخلاقية لتنظيم حياة الناس في تعايشهم وعلاقاتهم وضبط سلوكهم ومعاملاتهم، والعلاقة بين الإنسان وخالقه، نزلت في الكتب السماوية بنصوص تنظم ذلك؟ كان المطلوب هو استيعاب تلك النصوص والالتزام بها لتجنب كثير من الصراعات، لكننا اختلفنا في تفسيراتها، فتلونت عقائدنا بألوان ذلك الاختلاف، وصنعنا بجهلنا طوائف ومذاهب تفرقنا عن بعضنا إلى جانب الأعراق والسلالات والمناطق، ثم خضنا قتالاً عنيفاً لإخضاع الآخر لقناعاتنا وشهواتنا. كما ظهرت فكرة المادية وروادها من فلاسفة ومفكرين، لتقسمنا إلى توجهات سياسية وفكرية، حتى هذا الاختلاف لم يحترم، وجعل منا جماعات متناحرة، كل منها يفاخر بتوجهاته وأفكاره ويزدري أفكار وتوجهات الآخر دون حق الاحترام والقبول.
هنا جوهر المشكلة، إننا لم نستوعب بوعي، أن الاختلاف إثراء للحياة وتنوع جميل يثري الحياة الإنسانية، فكرياً وثقافياً وعقائدياً بألوان الطيف السياسي والاجتماعي والعقائدي. لكن الجهل يغلب فينا الأنانية، أنانية من يريد أن يضع نفسه في مكانة عالية عن الآخرين، مكانة عرقية أو جهوية أو سلالية أو طائفية وفكرية وإيديولوجية... ليولد القهر والظلم والاضطهاد، مثيراً زوابع من الصراعات التي تدفع البعض للتعصب، فتنتج عنفاً وعنفاً مضاداً، ونجد لكل ذلك المبررات، مبررات الدفاع عن النفس، وهي نفس مبررات الإرهاب، إرهاب الآخر المختلف فكرياً وثقافياً وسياسياً وعرقياً، ومع مرور السنين والأعوام يتطور العنف والعنف المضاد، ليأخذ أشكالا مختلفة ووسائل زائفة تبرّره. وها نحن اليوم نحارب الإرهاب، ونمارسه بقبح في إرهاب الآخر، وتصفيته جسديا، خارج إطار النظام والقانون والدستور. نحن جيل الخمسينات، عرفنا مراحل رفاق الكفاح المسلح، وعندما وضعت الحرب أوزارها، بدأت المصالح الضيقة والاختلافات الواهية تبرز، فتقاتل رفاق الجبهات من اليوم الأول، عبر تصفية جسدية للآخر وكسر إرادته. عشنا حكم الفكر الواحد الذي إن لم يجد ما يختلف فيه مع الآخر يختلف مع نفسه، فتشظى إلى أجزاء تتناحر في ما بينها، بتوصيفات الخيانة والعمالة. من يسيطر على أدوات القوة يطرد ويهجر ويقتل الآخر، وهكذا كبرت كرة ثلج التراكمات لتغذي ثارات وأحقاد وكراهية وعنصرية للآخر. سلسلة من الصراعات والفشل، وكل ما يبنى بسنوات ندمره بأشهر، ولا تزال الحكاية مستمرة، جهل وتخلف وصلف وعنجهية وأنانية تقتل وتدمر وتسلب الناس أحلامهم وتطلعاتهم في مستقبل منشود، ووطن يستوعبهم ويتعايشون به دون منغصات.
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
أحمد ناصر حميدان (اليمن)
أحمد ناصر حميدان (اليمن)