المجلس الوطني الكُردي إلى أين؟

المجلس الوطني الكُردي إلى أين؟

22 مارس 2019
+ الخط -
شهدت الساحة الكُردية في الأسابيع القليلة الماضية لقاءات وحوارات أجراها طرفا المعادلة الكُردية (في سورية)، مجلس كُردي واتحاد ديمقراطي، وكلٌ يسحب البساط إلى طرفه، والقرار الفصل ليس بيد الطرفين، لكن الأهم يتجاوز من حجم اللقاءات ونوعيتها إلى مضمون اللقاء نفسه، لاسيما لقاءا المجلس في كوباني وهولير مع ممثلي التحالف ووفد الإدارة الأميركية، ولقاءات مجلس سورية الديمقراطية (مسد) في واشنطن وباريس، ما جعل المسرح السياسي الكُردي يشهد جدلية مُضحكة لجهة الخِصام الأزلي بينهم. فالمجلس الكُردي ضمن المعارضة، والاتحاد الديمقراطي يتهمه بالعمالة لتواجده ضمن المعارضة السورية، ويتعرض المجلس إلى سلسلة شتائم وتوصيفات مُجحفة نتيجة تواجده ضمن أروقة المعارضة، لكن جًل هؤلاء الشامتين إما غير مُدركين أو مُتجاهلون حقيقة أن من حق المجلس، على عِلاته، اللجوء إلى أيَّ وسيلةٍ ليبقي على أمله في إدارة المنطقة، خصوصا أن غريمه لم يدّخر شكلاً للانقضاض والإجهاز عليه إلا ومارسها، ومع وجود المجلس الكُردي ممثلا وحيدا، حتى الآن، ضمن اللجنة الدستورية، وكيانا مستقلا ضمن هيئة التفاوض العليا، فوحده من سيتحمل مجمل النتائج الإيجابية والسلبية بشكل خاص في حال حدوثها، أو لم تتحقق الوعود والمرويات حول حجم أعمالهم ضمن المعارضة.
وهو نفسه حزب الاتحاد الديمقراطي (بي يي دي) يسعى إلى فتح قنوات حوار مع المعارضة ومع تركيا. وقد سعى إلى فتح حوار مُباشر مع النظام منذ أكثر من عامين، لكنه يصطدم بعدم حصوله على الحد الأدنى من مطاليبه، ومنع الإدارة الأميركية عودة النظام إلى المنطقة، يُقابله سعي الحزب الديمقراطي التقدمي برئاسة حميد حاج درويش، بعد سلسلة لقاءاته في دمشق، نحو إيجاد مساحةٍ جديدةٍ ونوعٍ مُغاير لنمطية سلوك الطرفين الآخرين، عبر دعواته المُتكررة إلى إيجاد جسم سياسي جديد، أو مظلةٍ لمكونات المنطقة وعشائرها، رُبما للتوجه صوب دمشق، أو خشية التدخل التركي، يقابله إحجام الطرفين الآخرين عن المشاركة معه، ورُبما تكون زيارة السفير الأميركي إلى مكتب حزب التقدمي تحمل حدثين مُركبين، أولهما: سعي الإدارة الأميركية إلى لمّ شمل الكُرد كُلهم في سلة واحدة، والدفع بها نحو إدارة مُشتركة على قاعدة الاتفاق على مشروع سياسي أمني عسكري موحد. ثانيتهما: موقع الحزب التقدمي في المعادلة المقبلة، ما بين عودته إلى المجلس، أو بقائه رقما بمفرده، أو إصراره على المضي بمشروعه نحو دمشق، أو التخلي عنها والإحراج الكبير أمام الملتزمين بمشروعه.
من جهة تالية، يُعاني "الوطني الكُردي" جملة من الخلافات المزدوجة، بينه وبين المعارضة 
السورية على نظام الحكم وشكل الدولة السورية مستقبلاً، ما بين اللامركزية الإدارية أو السياسية. ومع أن اللوحة السياسية للحرب في سورية لم تتبلور بعد بالشكل المستقبلي، ثمّة خلافٌ بين المجلس والمعارضة، يتمحور حول نوعية العلاقة بين الأول والاتحاد الديمقراطي، وإمكانية فتح صفحة حوار وعمل مشترك جديد، من عدمه.
امتازت أحزاب المجلس الكُردي بنضالها منذ 1957، وكانت السد المنيع أمام كثير من حفريات الإلغاء وطمس الوجود الكُردي في سورية، ثم قال المجلس إنهم يطرحون مشروعا قومياً لتشكيل إقليم كُردستان سورية، وكما يُعرف نفسه، حاملا سوسيوسياسيا للقضية الكُردية في سورية ضمن أروقة المعارضة. ولئن اعتبر المجلس نفسه رقماً سياسياً هاماً في المعادلة السورية، فإن مدى تأثيره بفاعليه ممزوجة بنتائج مؤثرة تبقى راهنيتها متعلقة بحجم تأثيره المتبقي على الشارع الكُردي، إضافة إلى لزومية معرفة الجماهير التي التفت حول طروحاته القومية، إلى أين وصلت بمساعيها، خصوصا أنها جعلت قسما من الشارع الكُردي يبتعد عن الاتحاد الديمقراطي، ويجد في المجلس ضالته المنشودة. أما البقاء على راهنية العمل التنظيمي والفكري الحالي فإنه يقود، في النهاية، إلى خسارته مزيدا من مُناصريه ومثقفيه ومؤيديه.
انتهى عصر الازدهار الداخلي للمجلس باكراً، بفواعل ضمن الجسم نفسه، لم تكن لتجد نفسها ضمن جسدٍ سياسي مُنسجم، ولا وجدت لنفسها موطئ قدمٍ في دائرة القرار المُصغر، وبضواغط محلية، وضربات متتالية، أفقدته أوراقه وقوته. قابله مزيد من الشكوى واستدرار العواطف، ما جعله في موقف أقل ندّيةً من الإدارة الذاتية، وحزبها الحاكم، الاتحاد الديمقراطي، فلم يتمكّن المجلس من امتلاك نواصي العمل الاقتصادي، ليجمع من حوله الطبقات الفقيرة، والقوة المرنة التي تستعد لفعل أيَّ شيء، فكان من الطبيعي أن ينحسر مدّه البشري، في ظل ظروف معيشية، قلبت موازين الطبقات الاجتماعية، وسحقت حتى الطبقة الوسطى كُردياً. وإحدى أبرز المشكلات التي يُعاني منها الشارع الكُردي مع المجلس محاولات بعضهم إيجاد نوع من التابوهات أمام أيَّ حوار أو رأي مُخالف لهم، ما جعل المجلس يفقد قسما كبيرا من قوته، إضافة إلى العوامل السابقة، عدم استيعاب الطبقات والشرائح المجتمعية المؤثرة والفاعلة في عملية إيجاد التوازنات والبيئة الحاضنة لأيّ فكرة جديدة، وراحت تُكرّر الفكرة ذاتها "حين نُصبح سُلطة ستجتمع الجماهير من جديد إلى صفنا"، ما يعني أن الترويج السياسي للأسباب التي دفعت المواطنين في المنطقة إلى الانخراط ضمن الإدارة الذاتية، سيُعاد تكرارها في الحالات نفسها والتسميات المختلفة.
أخيرا، وبعد سلسلة التويترات "الترامبية" حول الانسحاب وعدم الانسحاب، وما يُروج حول 
مسعىً أميركي لتشكيل إدارة مشتركة بين مكونات المنطقة بعيدةً عن صبغة حزبية أو إيديولوجيا، عاد المجلس، ببطء وهدوء، إلى محاولة لملمة أوراقه مُجدداً عبر بعض الأنشطة الميدانية. وكانت إحدى العلامات الفارقة حول عودة الشارع الكُردي، وإنْ بأعداد لا تُقارن مع الملتزمين بالأنشطة المركزية للإدارة الذاتية، لكن زوال حاجز الخوف والتصادم الكردي – الكردي، ولو ببطء شديد، دفع مؤيدي المجلس للالتزام معه، ما شكل رد فعل سياسيا ورسائل خشنة من بعض مؤسسات الإدارة الذاتية والاتحاد الديمقراطي تجاه الرسائل الناعمة للمجلس الكُردي، في محاولته إعادة أحياء وجوده الميداني، وما جعل الوطني الكُردي على قيد الحياة سياسياً حتى اللحظات، مكّنت في ثلاثة مُتغيرات مُركبة شديدة التداخل والتعقيد، أولها: انخراط المجلس ضمن صفوف المعارضة، وبقاؤه ضمن دائرة الجهات المُخاطبة دولياً حول مستقبل سورية، وإن كان الأداء لا يرتقي للرغبة الشعبية والاستحقاق القومي. لكن حتى اللحظة لم يُناقش مستقبل سورية السياسي، وشكل الدولة عملياً ودستورياً، وتبقى قضايا تمويل المنطقة، والدعم المالي والسياسي للفئات والشرائح المحرومة نتيجة أداء المجلس، قضية حساسة جداً.
وثانيها: ما مُورس ضده من أفعال وتصرفات واعتقالات، ونفي خارج الحدود، والاقتراب من الرموز الوطنية، كالعلم الكُردي، أججت مشاعر الشارع الكُردي صوب طرفٍ مظلوم، وطرف آخر يتقبل الجميع باستثناء الطرف الكُردي. ومع اعتراض المجلس على قضية التجنيد الإلزامي (واجب الدفاع الذاتي)، والمناهج المدرسية (مناهج باللغة الكُردية)، وهجرة واستشهاد آلاف، وحسرة الأهالي على مستقبل أبنائهم دفعت المعترضين على قرارات الإدارة الذاتية صوب حضن المجلس، ونفورهم من الطرف الآخر. أما المتغير الثالث: ورُبما كان الأقوى على الصعيدين، الشعبي والسياسي الدولي، فتمثل بالدعم المباشر من رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، والإقليم للمجلس.
لم تعد سياسات الاحتواء التي اتبعها المجلس تُجدي نفعاً مع الشارع الكُردي، خصوصا أن 
أجيالاً راحت تنمو وتكبر على وقع طبول الحربِ، وهدير طائرات التحالف الدولي في قصفها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأخذت وسائل الإعلام دور المُرشد والمُنبه لتلك الأجيال حول كُل ما يقال أو يشاع أو ينشر. ولو توفرت الرغبة والإرادة السياسية، فإن ثماني سنوات كانت كفيلةً بإعداد أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة، حاملة للقضية الكردية. وكان بإمكانهم، منذ بدايات الحرب، تأهيل طلبة الصف الثالث الثانوي، للحصول على الخبرة اللازمة والدكتوراه في مجالاتٍ تهم المراحل والمحطات التي سيخوضها المجلس الكُردي. النقطة الثابتة في الموضوع أن لا رغبة أميركيا في إطلاق يد طرف كُردي واحد في المعادلة الجغرافية الجديدة (شرق الفرات)ـ والأغلب أن توازنات إقليم كُردستان ستُعاد في المنطقة الكُردية. وفي الأشهر القليلة المُقبلة سيكون المسرح الكُردي مُقبلا على تغيراتٍ كاملة في اللوحة الجغرافية والسياسية والعسكرية.