إيران ووجهها اللبناني

إيران ووجهها اللبناني

10 فبراير 2019

نصر الله يخطب في ذكرى الثورة الإيرانية (6/2/2019/فرانس برس)

+ الخط -
خرج الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، الأسبوع الماضي، ليخطب في الشعب اللبناني لمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية. هذه المفارقة وحدها قد تكون كفيلةً للتوقف عندها مطولاً، والحديث عن الارتباط العضوي بين الحزب اللبناني، الحاكم فعلياً في البلاد، وإيران، غير أن نصرالله لم يقف عند هذه النقطة، بل استفاض متحدّثاً باسم إيران، وعرض خدماتها لمساعدة لبنان في مجالاتٍ عدة، خدماتية وعسكرية.
كان من الواضح أن نصرالله لم يخرج متحدّثاً بصفته مسؤولا لبنانيا رفيع المستوى، بل "صديقا لإيران" كما عرّف عن نفسه، غير أن الخطاب خرج كثيراً عن هذه الحدود، ودخل في مسارٍ آخر مرتبطٍ بالدفاع عن الجمهورية الإسلامية ومصالحها، وترويج خدماتها التي يمكن أن تساعد اللبنانيين. لم يكن نصرالله مضطراً لإعلان أن لدى طهران القدرة على حل مشكلات الكهرباء في لبنان، وهي مشكلةٌ مستعصية منذ نحو 30 عاماً. كان من الممكن أن يخرج مسؤول إيراني لتقديم هذا العرض السخي وشرح أبعاده، لكن هذا الأمر لم يحدث، لا في السابق ولا الآن، على الرغم من قدم الأزمة. مؤكّد أن الأمر مرتبط بالعقوبات الأميركية الجديدة على إيران، والسعي الأخيرة الحثيث إلى البحث عن منافذ جديدة للالتفاف على العقوبات. ويبدو أن الأمين العام لحزب الله يسعى إلى فتح النافذة اللبنانية اقتصاديا وعسكريا أمام إيران، ووضع لبنان تحت سيف العقوبات الأميركية التي تهدّده أساساً من جرّاء تولي أحد مسؤولي الحزب وزارة الصحة المرتبطة بمساعدات دولية للبنان واللاجئين فيه، والتي قد تتوقف، بحسب التهديد الأميركي المباشر الذي تلا تشكيل الحكومة في لبنان.
لم يتوقف الأمين العام لحزب الله عند حدود ترويج الصفقات الاقتصادية الإيرانية للبنان، بل زاد عليها الصفقات العسكرية، عبر عرض تزويد الجيش اللبناني بمنظومةٍ تسليحيةٍ إيرانية، ليدخل الجيش أيضاً في دائرة العقوبات التي يمكن أن تطاول أي متعاونٍ مع إيران، وليضعه أيضا بشكل مباشر في دائرة النفوذ الإيراني المتمدّد في الأساس لبنانياً عبر حزب الله وبعض الأطراف السياسية التي تدور في فلكه.
كأن ما سبق لا يكفي للتأكيد على ارتباط حزب الله الوثيق بالجمهورية الإسلامية، حتى زاد الأمين العام للحزب تهديداً مباشراً بالدخول في أي حربٍ قد تخوضها إيران في المنطقة، وصد أي عدوان قد تتعرّض له من الولايات المتحدة أو غيرها، ليعلن بشكل أكثر صراحةً من قبل أن الحزب هو ذراع عسكرية ضاربة لإيران في المنطقة، وأن ساحة المواجهة مع إيران، في حال حصلت، لن تكون مقتصرةً على إيران أو منطقة الخليج.
مفارقة أخرى لافتة لحقت الخطاب، وهي الإعلان عن زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إلى لبنان خلال الساعات المقبلة. زيارة يبدو أنّ خطاب نصرالله جاء تمهيداً لها، وتمهيداً للصفقات أو العروض السياسية والاقتصادية التي جاء ظريف لتقديمها، خصوصاً أن الحديث عن "المساعدات الإيرانية" للبنان تخطّى ما طرحه نصرالله، ليدخل في مجال توريد الدواء أيضاً عبر وزارة الصحة التي يتولاها وزير من حزب الله.
قد لا يكون حزب الله وأمينه العام بحاجة إلى مثل هذا الخطاب، للتأكيد على الولاء المطلق لإيران، وتقديم مصالحها على المصالح اللبنانية، غير أنه أصرّ على تذكير من قد يكون نسي أو تناسى أن هذه هي حقيقة الحزب الأكبر في لبنان، خصوصاً بعدما بات، منذ وقت، متحكّماً بمفاصل الدولة وقراراتها، وهو ما توضح أكثر من أي وقت خلال مخاض تشكيل الحكومة اللبنانية.
أراد نصرالله التذكير، والتأكيد أن حزب الله ليس حزباً لبنانياً صرفاً، بل إيرانيٌّ ذو وجه لبناني.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".