قصّة تعاون غير معلن

قصّة تعاون غير معلن

05 فبراير 2019
+ الخط -
استقبلت فرنسا، في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 2007، بمراسم بالغة الحفاوة، الديكتاتور الليبيّ، معمّر القذافي الذي نصب خيمته داخل باحة قصر الإليزيه، على الرغم من اعتراض جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان على هذه الزيارة، وما تمثلها من سابقةٍ في تاريخ الجمهورية الخامسة التي أخذ كثيرون على رئيسها حينذاك، نيكولا ساركوزي، التعامل مع طاغية، والسعي إلى تبييض سجلّه الأسود دوليا.
لقد سُجّل ذلك التاريخ أيضا بدايةً لعلاقة غامضة وملتبسة بين الرئيس الفرنسيّ والديكتاتور الليبيّ، استمرّت حتى مقتل الأخير في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، إثر الثورة التي قامت في ليبيا، تلا ذلك بروزُ مؤشّرات ودلائل على وجود صفقة مالية بين الرئيسين، وتستدعي بالتالي طرحَ عدد من التساؤلات، منها: هل موّل معمّر القذافي حملة الرئيس الفرنسي الأولى مقابل ضمان عودته إلى الساحة الدبلوماسية؟ وهل يكون صديق البدايات هذا قد تحوّل، بالنسبة لساركوزي، إلى عبء ثقيل وسرّ فاضح يفضّل التخلّص منه؟ وأخيرًا هل يحمل الرئيس المنتخب مسؤوليةً ما في الأزمة الليبية، وفي مصرع معمّر القذافي؟
في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة وسواها، تعاون خمسةُ صحافيين من أشهر صحافيي التحقيق في أهمّ وسائل الإعلام الفرنسية (راديو فرانس، ميديابارت، لوكانار آنشينيه) مع رسّام، فجمعوا ما تمكّنوا من تحصيله كمعلومات، كلّ على حدة، وقارنوا في ما بينها، منتهين إلى نشر تحقيقٍ موحّد على شكل كتاب مصوّر في 240 صفحة، صدر حديثا تحت عنوان "ساركوزي – القذافي، أموال وقنابل"، في طبعة أولى من 25 ألف نسخة (دار ديلكور).
لقد أمضى الصحافيون قرابة عام ونصف العام، لإنهاء بحثهم المشترك في القضية التي تضع الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، كلود غيّان وزير داخليته، وإريك وورث أمين صندوق حملته، موضع الاتّهام (وهو ما فعله القضاء الفرنسي في مارس/ آذار 2018)، بالإضافة إلى أسماء أخرى لا تقلّ تورّطا أو خطورة، أدّت أدوارَ وساطة ونقل رسائل وأموال، من أمثال اللبنانيّ زياد تقيّ الدين، أو بول بيسموث، أو السكرتير السابق و"المصرفي" للزعيم الليبيّ الراحل، بشير صالح بشير.
هذا وتدور القصّة المصوّرة على شاكلة فيلم بوليسي مشوّق، بقدر ما هو مرعب، لأن الوقائع التي يتناولها حقيقية، وليست مخترعة أو وهمية، ولأن قارئها سيكتشف أن الأمر يتعلّق برئيس دولةٍ ديمقراطيةٍ متهّم بقبض أموال من نظامٍ ديكتاتوري، وبحربٍ وتدخّلٍ عسكري في ليبيا ما زالت آثاره فاعلة، وبحاملي حقائب ملأى بالأوراق النقدية يوجدون في قلب السلطة، وبسقوط قتلى وضحايا وتدمير بلاد برمّتها، إلخ... وهو سيرى، بأمّ العين، تلك الواقعة التي كشفتها "ميديا بارت" وتثبت أن طرابلس قبلت بتمويل حملة ساركوزي بمبلغ "قدره 50 مليون يورو"، فلم يكتشفها الرئيس الفرنسي إلا في 28 أبريل/ نيسان 2012، وهو يخوض حملته الرئاسية الثانية لإعادة انتخابه.
من هنا، كان ربما حكيمًا ومقنعًا جداً خيارُ اعتماد طبعة مصوّرة، وذلك نظرا لتعقيد القضية التي ما زالت برسم القضاء الذي يُفترض أن يصدر حكمه فيها خلال العام الجاري، مع الإشارة إلى أنه رفض، في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الفائت، طلبين تقدّم بهما محامو ساركوزي لاعتبار الوثيقة المكتوبة بالعربية (ديسمبر/كانون الأول 2006)، المشار إليها أعلاه والملحقة في نهاية الكتاب، مزيفة.
ولكي يتمّ تسهيل تلقّي القارئ معلومات تتقاطع وتتضافر، لتعود وتتناقض في بعض الأحيان، عمد الكتّابُ إلى ابتكار شخصية خيالية برأسٍ برتقالي كبير، يؤدّي دور الراوي الذي يكشف الخلفيات، موضحا تارة ما لا تظهره الأحداث بشكل بيّن، ومُظهرا ما يتوارى في الكواليس تارة أخرى.
لقد باع ساركوزي نفسه للشيطان على ما يبدو، لكنْ هناك، الشيطانُ نفسه لا ينفذ بجلده، إذ يجد دوما من يحاسبه.

دلالات

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"