أداة سخرية في اليمن

أداة سخرية في اليمن

26 فبراير 2019
+ الخط -
مؤسف رهان الجماهير على نخب سياسية تنحط لتتحول إلى سخرية، وأمام النبرة المتعالية وغرور الدول الطامعة بالوطن، تتحول هذه النخب إلى كارثة، عندما تمثل بلداً، أو قضية، وتجعل منها مسخرة أمام المجتمعات التي تتعامل معها.
الانقسام الحاد في الاصطفاف الوطني لبلد يعيش حربا ومجاعة ووباء، وتحالف عربي ودولي لا يهتم بغير الاستقطاب لمزيد من الشتات والتشرذم والسخرية بوطن، نجد من يقبل أن يكون مسخرة، ويستعرض عضلاته بمواكب عسكرية، والتفاخر بصور في معرض دولي للسلاح، ما هي الرسائل التي يقدمها هؤلاء؟
تراهن الناس على التغيير السلس والأمن للواقع لما هو أفضل، ولا زال هناك من يصر على العنف وعسكرة الحياة التي بالضرورة لن تحدث تغييرا أفضل يلبي قناعات الناس وطموحاتهم، بل سيحدث تغيير فرض أمر واقع، بالعنف الذي سيولي علينا قواه العنيفة، وبالتالي لن نخرج سوى من واقع مزرٍ مؤلم لواقع أشد إيلاماً، ولهذا فمناظر العنف وعسكرة الحياة السياسية والاجتماعية مثيرة للسخرية، من وجهة نظر تعتبر مجرد محاكاة أولية للتأسيس لمرحلة مقبلة أكثر شمولية ودموية.
يبعث استعراض موكب عسكري بأطقم مع الدبلاج، رسائل سلبية تنعكس على أصحابها، استعراض هزيل مقارنة باستعراضات سابقة لقوى أكثر عنف وتسلط وعسكرة للحياة، وكانت نهايتها وخيمة، والتاريخ البعيد والقريب فيه دروس وعبر لا يستوعبها غير أصحاب العقول، ومن يقرأون التاريخ والواقع جيداً، ويستشرفون العبر، ويسيرون بخطى عقلانية في مشروع العصر يلبي قناعات السواد الأعظم من الطامحين للسلام والوئام.
المزعج في استعراضٍ كهذا إصرار بعضهم على أن يضع نفسه في هذه المشاهد الساخرة، مشاهد أفلام السخرية السياسية، وإكسسوار الدور المناط به، سخرية الزي الذي يرتديه هؤلاء الذين فقدوا هويتهم الأصيلة، ويرتدون هوية بديلة، ما هي الرسائل التي تقدمها للمشاهد من هذا الاستعراض؟ هذه الصور يفتخر فيها أصحاب الاختراع والصناعة، ومن يعقدون الصفقات، الناس تفتخر بهويتها وعقولها واختراعاتها، وقدرتها على عقد الصفقات، والبعض يضع نفسه في موضع السخرية من هكذا مشاهد.
تنهار البلد والانقسامات حادة، والمواطن في كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كارثة فقدان الأمن والأمان، والاغتيالات والسطو والبسط والنهب والفساد، كارثة الجوع والمجاعة، كارثة الشروخ الاجتماعية والوطنية، كارثة الحرب والصراعات السلبية، وهناك من يبحث عن الحل واستراتيجية لتجاوز هذه الكوارث، وهناك من هم مشكلة يؤججون المشاكل، تهديد ووعيد واستعراضات كاذبة، وعندما تنتهي المهمة يستدعيهم المخرج ليلبسهم إكسسوار الدور المناط بهم، ويلتقط كم صورة وينشرها، ويضعهم في موضع السخرية، ليسخر من مجتمع وأمة عريقة، صور تعبر عن إهانة للهوية والتاريخ، في دور سخيف وجد من يقوم بتأديته بأرخص الأثمان، هؤلاء لا يمكن لهم أن يمثلون أمة محترمة.
بي غصة وألم وقهر شديد من تلك المشاهد السخرية، مهما كانوا هم منا وإلينا، ويحز في النفس سقوطهم المدوي في أيدي من لا يرحم، ويضعهم موضع السخرية، مافيا العصابات والحروب والاغتيالات والمؤامرات، تستطيع أن تلعب بالأغبياء كدمى، وتضعهم في موضع مخزٍ، لكنها لا تستطيع أن تلعب بشعب وأمة عصية على الارتهان والركوع والاستسلام، مهما كانت وسائل التخويف والإخناع القذرة، مهما كانت القوة التي تلوح بها والوسائل القذرة التي تستخدمها، هي تعرف جيداً أن شعب اليمن عصي على الارتهان والخنوع، لكنها تلعب بأورقها، لخلط الأوراق وضياع القضية، لتوجيه مسار التحول ليخدم وكلائها الحصريين وشركائها في لوبي الفساد ومافيا المؤامرات منذ زمن، شركائها في نهب ثروات الشعوب، وكسر إرادتها لتستسلم لواقع تريد أن تفرضه بالعنف، ليسهل عليها ابتلاع وطن واستباحته، ولن تستطيع بل ستحرق أوراقها فقط، وسيبقى وطني شامخا عزيزا، ولهم في التاريخ القريب عبر ودروس، كما سقط عملائهم ووكلائهم الأولين إلى مزبلة التاريخ هو ذات المصير لعملائهم أدواتهم اليوم المحروقة، والتي صارت مثار سخرية فاعتبروا يا أولي الألباب!
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
0947F93D-78B9-48CD-AD98-B7B1A7035584
أحمد ناصر حميدان (اليمن)
أحمد ناصر حميدان (اليمن)