مؤتمر ميونخ للخلاف والانقسام

مؤتمر ميونخ للخلاف والانقسام

18 فبراير 2019

المجتمعون في مؤتمر ميونيخ يستمعون للمستشارة ميركل (16/2/2019/Getty)

+ الخط -
اختُتمت، أمس، أعمال مؤتمر ميونخ للأمن، المحفل السنوي الذي تشارك فيه معظم الدول، بهدف إجراء مشاورات بشأن القضايا الأمنية المهمة، والانشغالات ذات الصلة بالاستقرار والسلم العالمي. وبعد 54 دورة سابقة للمؤتمر، صار معتادا أن يتضمن جدول أعمال المؤتمر قائمةً من الأولويات والتحديات التي تحتاج إلى تنسيق وبلورة رؤية مشتركة بشأنها. وربما التوصل إلى أسس، أو خطوات مبدئية، لكيفية مواجهتها والتعاطي معها، على المستويين، الجماعي العالمي والفردي، من الدول المحورية في النظام العالمي. وفي كل عام، يكون في مقدمة أجندة المؤتمر عدو محوري، أو تهديد عام يشمل معظم الدول المشاركة. سواء كان دولة أو معسكر دول، كما كان الحال إبّان الحرب الباردة. 
يختلف مؤتمر هذا العام عن النسخ السابقة في وجوهٍ عدة، أهمها وجود خلافات وانقسامات حقيقية بين الدول الغربية وبعضها بعضا. وليس الخلاف جديداً من حيث المبدأ، فالغاية من المؤتمر هي التشاور وتبادل الأفكار والرؤى التي هي غير متطابقة بالضرورة، لكن الجديد هذا العام في أن الخلافات بين الدول الغربية الصديقة والحليفة تتعلق بالمبادئ والأسس التي تحكم رؤية كل منها وتصوّراتها للعالم وطريقة إدارة شؤونه. ويرتبط هذا التباين الجذري بفجوةٍ واسعةٍ في تقدير المصالح وتحديد التهديدات، سواء الخاصة بكل دولة، أو التي يُفترض أنها تمس المجتمع الدولي ككل.
بدلاً من أن تتعلق كلمات رؤساء الوفود والمسؤولين المشاركين بالقضايا والتحديات المشتركة، اتجه معظمها إلى التعبير عن المواقف الخاصة بكل دولةٍ على حدة. ما كشف عمق الخلافات والبون الشاسع في الرؤى، خصوصاً بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين.
بدا أداء مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، كما لو كان يُملي على الشركاء الأوروبيين ما يجب عليهم عمله وفقاً لتقدير الإدارة الأميركية. لم يقدّم بنس موقف بلاده من القضايا التي طرحها، على سبيل النقاش أو تبادل الأفكار، وإنما من منطلق أن ما يعرضه هو الصحيح، وعلى الآخرين تعديل مواقفهم لتساير هذا التصور. ولم يترك مساحةً للاختلاف، أو تبنّي رؤى أخرى في أي ملف، بما في ذلك مسائل جزئية محدّدة، مثل الموقف الأميركي من شركة هواوي الصينية العاملة في مجال التكنولوجيا الاتصالات.
كرّر بنس مقولات الرئيس دونالد ترامب حول إيران، خصوصاً وصفها بالراعي الأكبر للإرهاب في العالم. وجدّد مطالبة حلفاء واشنطن الأوروبيين بالانضمام إلى العقوبات الأميركية على طهران. إنها مواقف ترامب، ولكن بأسلوب أكثر ذكاء، فبينما لا يخفي ترامب أنه يبحث عن مصالح الولايات المتحدة وحدها، اعتبر بنس أن أمن أوروبا التقني يستلزم الحذر عند التعامل مع الشركات الصينية مثل هواوي. وأن الحرص على الشعب الإيراني يجب أن يكون دافعاً لتطبيق العقوبات على النظام الإيراني. وهكذا لعب بنس دور الطيب الذي يُجَمل قبح الرسائل التي بعثها معه رئيسُه. وفي المقابل، لم تكن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أقل جرأةً في إبراز الخلاف مع واشنطن وتأكيده. وعلى الرغم من محاولتها الغمز من قناة طهران بالإشارة إلى البرنامج الصاروخي، والدور الإيراني في سورية، إلا أنها كانت واضحةً وقاطعةً فيما يتعلق بضرورة الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي.
الأهم من الخلافات حول إيران الحديث عنها بصراحة وعلانية، وهو ما يعني أن ثمّة مرحلةً جديدةً بدأت في العلاقات الأميركية الأوروبية، كانت إشاراتها واضحةً من الجانب الأميركي عبر خطاب ترامب وسلوكه، لكن الجديد في ميونخ هو الرد الأوروبي بالأسلوب المباشر نفسه والصراحة نفسها.
بينما كان "السلام من خلال الحوار" شعار المؤتمر لهذا العام، جسّد واقع الحال في المؤتمر غياب الحوار لحساب التراشق والتنابذ. ولو استمرّ هذا التوتر بين الأصدقاء، ربما تتراجع أهمية المؤتمر، وينفرط عقده بأسرع مما يظن أصحابه.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.