كيف ستدفن إسرائيل قتلاها؟

كيف ستدفن إسرائيل قتلاها؟

12 فبراير 2019
+ الخط -
يبدو أن آخر عدوان إسرائيلي على ضواحي دمشق، في أواخر الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني 2019)، كان شديد الوطأة وباهظ الكلفة على التموضعات الإيرانية في الأراضي السورية، ليس بالاستناد إلى تقارير الإعلام العبري الذي أسهب في تعداد المواقع والمستودعات والبطاريات المستهدفة في تلك الموجة الواسعة من الغارات الجوية، وإنما أساساً بالوقوف على ردود فعل قادة الحرس الثوري، والتمعّن فيما فاضت به مدفعية آيات الله الكلامية الثقيلة من رشقاتٍ لفظيةٍ هادرةٍ وغير مسبوقة.
من الواضح أن غارات يناير الفائت كانت مؤلمةً أكثر من أي غاراتٍ سابقة، على الأقل منذ الغارات على قاعدة التيفور في إبريل/ نيسان الماضي، وأنها انطوت على رسائل أكثر بلاغةً من سابقاتها، إذ جرت في وضح النهار لأول مرة، واعترفت بها الحكومة الإسرائيلية عياناً بياناً، على غير عادتها، وأفضت إلى أشد تلاوم من نوعه بين طهران المخذولة وموسكو المتهمة بتعمية منظومة الدفاع الجوي إس 300 لدى بدء تلك الموجة.
على خلفية متشكلة؛ أولاً من حسٍ مُمضّ بفداحة الخسائر في العتاد والأنفس، وثانياً من شعورٍ ساحقٍ بخذلان شريك كبير في معركة واحدة ضد عدو واحد، ارتفعت عقيرة قادة الجمهورية الإسلامية صارخةً بالويل والثبور وعظائم الأمور، واخترقت تهديداتُهم الهمايونية سقف كل كلامٍ معقول، بل وفاقت كل ما درجت عليه الترّهات الإيرانية المحفوظة عن ظهر قلب، مثل إغلاق مضيق هرمز، إزالة إسرائيل من الخريطة في سبع دقائق فقط.
لا يتسع المقام لاستعراض كل ما تفوّه به قادة الحرس والجيش الإيراني من معلقات هجاء بعد الغارات أخيراً، أين منها الشاعر المخضرم الحُطيئة، ولذلك يُكتفى هنا بذكر "معلقتين" أعجميتين جاد بهما خيال الملالي الجامح؛ الأولى جاءت في تصريحات قائدٍ في الحرس، يصفه محبوه أنه كيسنجر طهران الحاذق، قال فيها "شعراً" موجّهاً ضد الغرب كله، يُدخل صاحبه إلى مستشفى الأمراض العقلية، والثانية أتت في معرض همروجة الوعيد والتهديد التقليدية ضد الشيطان الأصغر، لكنها همروجة بزّت، هذه المرة، كل ما تفتقت عنه العقلية الإيرانية، ففي غمرة فائض ردود الفعل الإيرانية، المثيرة للسخرية السوداء، وعد كيسنجر طهران، بنبرةٍ جادّة جداً، وبالصوت والصورة، أن بلاده تخطط لتحويل البيت الأبيض إلى حسينية عام 2065، وتُحيي فيه مراسم كربلاء، وأنها ستحتفل بليالي القدر في قصر فرساي، وستقيم احتفالاً بيوم ميلاد المهدي المنتظر (15 شعبان) في مقر الحكومة البريطانية في قصر بكنغهام، فيما ستصبح الزيارة إلى القدس كالزيارة إلى شيراز.
واستطراداً لما درج عليه الخطاب الإيراني من تهويلٍ ومبالغات، أكد قائد سلاح الجو المتقادم جداً، في حفل تخريج دفعة من الطيارين الجدد؛ أن هؤلاء النسور الذين يفتقرون إلى المقاتلات والقاذفات يتحرّقون شوقاً لليوم الذي ينقضّون فيه على إسرائيل، للقضاء على الغدّة السرطانية المتورّمة، وأن ما يشغل بال الجنرال، بحسب ذلك التصريح العرمرمي، ليست ردود أفعال دولةٍ نوويةٍ تحتفظ لنفسها بخيار شمشون، وإنما كيف سيدفن الإسرائيليون قتلاهم في ذلك اليوم.
أعادت هذه الملحمة الإيرانية الافتراضية إلى الذهن ذكرياتٍ مريرةً لا تزال عالقةً من حرب عام 1967، يوم هدر على موجات الأثير صوت مذيع صوت العرب الشهير، أحمد سعيد، متوعداً إلقاء إسرائيل في مياه البحر الأبيض المتوسط، قائلاً "تجوّع يا سمك"، فإذا بها تلقينا إلى الصحراء في غضون ستة أيام، الأمر الذي لا مفر معه من عقد مقارنةٍ تعافها النفس، بين تلك الأقوال التي ذهبت مثلاً جارحاً وهذه العنتريات المتصبّبة أحلام يقظة وهذيان.
خلاصة ما ينبغي قوله، تعقيباً على كل هذه الترّهات، إن العرب والمسلمين قد شبعوا حد الامتلاء من هذه الوعود والتوعدات، وبات لديهم ما يكفي، ويفيض، من خيبات الأمل المتراكمة على مر السنين، فعلى رِسلكم، أيها الممعنون في استغفال الشعوب، المتمادون في استثمار عوامل الجهل والفقر والأمية، والسذج من الناس، لا سيما في البلد الذي يخنقه الحصار، ويستبدّ به الفساد، ويبلغ فيه التضخم أرقاماً فلكية، حيث تعادل كل تسعة دولارات مليون ريال.
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي