إنهم يطالبون باستقالة رئيس الوزراء العراقي القادم

إنهم يطالبون باستقالة رئيس الوزراء العراقي القادم

17 ديسمبر 2019
+ الخط -
كان عربون الفوز في العراق بمنصب رئيس الوزراء، لأي كتلة أو مليشيا مسلحة، تأدية فروض الولاء والطاعة للمحتل الأميركي أو الإيراني أو لكليهما، إضافة إلى نيل مباركة المرجعية الدينية لدورها الفعال في هذا الخصوص، أما اليوم فالعربون هو إنهاء الثورة العراقية الشاملة. ولو تمكّن عادل عبدالمهدي من القيام بهذه المهمة الغادرة، لاحتفظ برئاسة الحكومة وضمن أكثر من ولاية، بل ربما خلدوا اسمه في سجل الأبطال، باعتباره المنقذ الذي جنّب العراق حربا أهلية طاحنة.
وفق هذا السياق، تسابقت المليشيات المسلحة في ما بينها، لإنهاء الثورة العراقية، وعن طريقٍ واحد دون غيره، اللجوء إلى اكتساح ساحات الاعتصام بقوة السلاح، مستغلين قرار الثوار بعدم الانجرار إلى العمل المسلح، والتمسك بالسلمية مهما قدموا من تضحياتٍ جسام. ومعروف ما حدث، فقد قامت مجاميع كبيرة تابعة لعدد من المليشيات، وتحديدا التي تدين بالولاء للولي الفقيه الإيراني علي خامنئي، أمثال عصائب أهل الحق، وحزب الله، والنجباء، والخراساني، ومنظمة بدر، بهجوم مسلح على ساحات الثوار قبل أيام في مناطق السنك، والخلاني، وجسر الأحرار، تحت سمع الحكومة العراقية وقواتها الأمنية وبصرهما. بل وقدمت المساعدة لها حين أطفأت الأنوار في ساحة الخلاني لتسهيل عملية حصد الأرواح، التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسة وعشرين شهيداً، وجرح عشرات، معظمهم في حالة خطرة.
هزيمة هذه المليشيات على يد الثوار السلميين في جميع الساحات لا تعني استسلامها وعدم 
الرجوع إلى تكرارها، وربما على وجه السرعة، وخصوصاً أنها تلقى الدعم والتأييد من أطراف العملية السياسية الطائفية لإنقاذها من السقوط، ومن ملالي طهران والأميركان للحفاظ على نفوذهما في العراق، ومن جميع دول الجوار التي تخشى من امتداد لهيب الثورة إلى عروشها المهزوزة. وهذا ما يفسّر صمت هذه الدول على ما يجري من جرائم ومجازر ضد شعبٍ أعزل من أبسط أدوات الدفاع عن النفس، سوى صدروهم العارية والعلم العراقي الذي يحملونه. ليس هذا فحسب، فانتصار الثورة سيعيد إلى العراق استقلاله السياسي، وسيادته ووحدته الوطنية، ووضع ثرواته في خدمة العراقيين، وسيمكّنه من تطهير أرضه من دنس المحتلين ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها، وتحميلهم مسؤولية النتائج التدميرية التي ترتبت على جريمة الاحتلال، والمطالبة بالتعويضات التي تحدّدها اللجان المختصة.
إذا حدث وفشلت هذه المحاولات الغادرة، وستفشل حتماً، جراء إصرار الثوار على الصمود حتى تحقيق الانتصار النهائي، ليس مستبعداً تقديم هؤلاء الأشرار تنازلاتٍ تصل إلى حد التضحية بجزء من مكاسبهم ومحاسبة بعض الفاسدين من الدرجة العاشرة، وتشكيل حكومةٍ من شخصياتٍ مستقلة، أو شخصية وطنية معتدلة، على أمل الالتفاف على الثوار، وإقناعهم بالعودة إلى بيوتهم، فشبح الثورة العراقية العملاقة يقضّ مضاجعهم ليل نهار، فهي بالنسبة لهؤلاء الأشرار بمثابة سلاح الدمار الشامل الذي لا تستطيع مواجهته لا هم ولا أميركا ولا إيران ولا أي قوة في العالم. ولكن هذه المحاولات لن تأتي بالنتائج المرجوة، فالثوار قالوا كلمتهم في 
شعارات واضحة جدا، من قبيل "نريد وطنا بدونكم" و"نطالب باستقالة رئيس الوزراء القادم من باب الاحتياط".
ليس الثوار وحدهم الذين لن يخدعوا بهذه الوسائل المعلبة، وإنما ستكون مرفوضة من جميع العراقيين، ما دامت الحكومة هي من صنع العملية السياسية المجربة بالفساد وسرقة المال العام وارتكاب الجرائم وخدمة المحتل، تضاف إلى ذلك معاناة العراقيين الكبيرة على يد هذه الحكومات، خصوصا بعد مهزلة حكومة عادل عبدالمهدي المستقيلة، والتي لم تف بوعودها المعسولة وتحقق الإصلاحات التي عجز أسلافها عن تحقيقها فحسب، وإنما ازداد الأمر سوءا، لتتوجها بارتكاب مجازر ضد الثورة العراقية. بل توصل العراقيون إلى قناعةٍ أبعد من ذلك، واعتبروا الحكومة القادمة أداة بيد ملالي طهران أكثر من الحكومات السابقة، إذ لم يعد خافيا أن ممثل ملالي طهران، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، يشرف علنا على اختيار رئيس الحكومة المرتقبة وأعضائها. وأي حديث عن نية الحكومة الجديدة تصحيح الوضع في العراق، أو تلبية مطالب الثوار، أو بعض منها، ليست سوى ضحكٍ على الذقون واستخفاف بالعقول. ودليلا على ذلك، رفض الثوار كل الإصلاحات الزائفة التي قامت بها الحكومة، سواء التي تخص تقليص الامتيازات، أو محاسبة فاسدين من الدرجة العاشرة، أو إطلاق سراح بعض المعتقلين. وكان جديدها رفض تعديل 
قانون الانتخابات. وبالتالي، ما يجري من لقاءات لتشكيل الحكومة الجديدة لم يعد يعني شيئا، لا للثوار ولا لعموم الشعب العراقي.
كاتب هذه السطور على يقين بفشل كل هذه المحاولات، عسكرية وسياسية، فتفاصيل ساحات التحرير تبشر كلها بالانتصار، وليس بالتراجع أو قبول أنصاف الحلول، أو المراهنة من جديد على الحكومة القادمة، وانتظار ما ينتج عنها من إجراءات إصلاحية، وتفشل معها أيضا جميع الحملات الإعلامية لأجهزة الحكومة التي تروج مقولاتٍ ظاهرها الحق وجوهرها الباطل. من قبيل كفانا حروبا وسفك الدماء البريئة، كفانا تدميرا وخرابا، لنعطي القادم الجديد فرصةً، ونفسح المجال أمام الحوار وحل مشكلاتنا بالطرق السلمية.. إلخ، فالثورة العراقية أظهرت للقاصي والداني أنها ثورة سلمية، على الرغم من تعرّضها لاستخدام القوة العسكرية، وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى. بل إن محاولات الخلط المتعمد للمفاهيم السياسية قد عفا عليها الزمن، وتجاوزتها أحداث الثورة المظفرة، أي الخلط بين ما يسمح به المفهوم السياسي لجهة الحوار وحل المشكلات بالطرق السلمية في ظل بلد مستقل، وبين الحوار مع أحزاب طائفية وعرقية نصبها المحتل من أجل تنفيذ مخططاته الغادرة وتكريس مشروعه عقودا طويلة، إذ ليس هناك أي قاسم مشترك، أعظم أو أصغر، يلتقي حوله عملاء الاحتلال والفاسدين والحرامية من جهة والثورة العراقية التي يتطلع أبناؤها الأبطال إلى استعادة الوطن بدون هؤلاء، والحفاظ عليه مستقلا وموحدا يتمتع في ظله العراقيون بالحرية والتقدّم الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى.
لا إصلاح يتحقق، لا من خلال الحكومة الحالية، ولا من خلال الحكومة القادمة، ولا عبر البرلمان، ولا باللجوء إلى الدستور أو المحكمة الاتحادية أو مجلس القضاء، كون جميع هذه المفردات هي نتاج عملية الاحتلال السياسية التي جرى بناؤها وتكوينها وآلية عملها لخدمة المحتل وعملائه، وليس لخدمة العراق وأهله، وبالتالي لا بديل للثورة سوى الثورة، ولا بديل آخر عن إسقاط الأشرار وحكومتهم العميلة وبرلمانهم الفاسد ودستورهم الملغوم وانتخاباتهم المزوّرة وقضائهم المرتشي. لقد أثبتت تجارب الانتفاضات في السنوات الماضية أن المراهنة على تعديل العملية السياسية أو إصلاحها من داخلها، أو على سقوطها من تلقاء نفسها، بأنها فاشلة، لم يحصد العراقيون منها سوى الخيبة تلو الأخرى.
لقد قدم السلوك الفاشل والإجرامي الذي اتسمت به أطراف العملية السياسية للثوار فرصة ثمينة للإجهاز عليها، والتخلص من شرورها وتشكيل حكومة وطنية فعلا، تعيد العراق إلى أهله من دون هؤلاء الأشرار. والتاريخ ليس كريما لتقديم مثل هذه الفرصة الثمينة مرة أخرى.
449E67CD-2345-4256-B47C-D40EDFC14B37
449E67CD-2345-4256-B47C-D40EDFC14B37
عوني القلمجي

كاتب وسياسي عراقي رئيس التحالف الوطني العراقي سابقا

عوني القلمجي