الاستيطان والإدانات المتواطئة

الاستيطان والإدانات المتواطئة

21 نوفمبر 2019
+ الخط -
لم يكن الإعلان الأميركي المسرّب عن الاعتراف بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة إلا جزءاً من مسار السياسة الأميركية الجديدة في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وحتى مع كل القضايا التي تخص إسرائيل واحتلالها الأراضي العربية، بدءاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، مروراً بالإقرار بضم إسرائيل مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وصولاً أخيراً إلى تشريع المستوطنات، وما بين هذا وذاك، كانت هناك خطوات أميركية كثيرة تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، ومنها قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). كل هذا بغض النظر عن التسريبات الكثيرة التي تخرج من هنا وهناك حول ما تسمّى "صفقة القرن"، والتي يبدو أن تطبيقها بدأ فعلياً من دون الكشف العلني عن مضمونها. 
ليس هذا كله مستغرباً من الإدارة الأميركية اليمينية، غير أن ردود الفعل على الإعلانات المتتالية، وتحديداً من الدول الأوروبية المفترض أنها شريكة في رعاية العملية السلمية، دائماً ما تكون دون المستوى، وتبقي على حذر في التعاطي مع تطورات الموقف الأميركي في ما يخص القضية الفلسطينية، وخصوصاً أن هذه التطورات تحمل أبعاداً قد تمتد إلى ما بعد الإدارة الحالية، وتدخل في إطار السياسة الأميركية العامة في ما يخص ما يسمّى "عملية السلام"، الميتة أساساً، والتي لا تزال المنظومة الدولية، الأوروبية تحديداً، تنسج المواقف حول جثتها.
الجملة الأساسية المتكرّرة في الإدانات الأوروبية للموقف الأميركي الجديد في ما يخص المستوطنات كانت الخشية من "تقويض عملية السلام"، إضافة إلى الإعلان أن لا تغيير في الموقف الأوروبي في ما يتعلق بالنظر إلى المستوطنات. رسالة الطمأنة الأوروبية بعدم تغيير الموقف من المؤكد أنها غير كافية، خصوصاً أن المسألة مرتبطة بالأحزاب الحاكمة حالياً، وفي ظل المد اليميني في أوروبا، من الممكن أن يكون التغيير قادماً في السنوات المقبلة، على غرار الحاصل في الولايات المتحدة، فليس المطلوب من الدول الأوروبية تكرار التأكيد على عدم تغيير الموقف، بل على التشديد أن المستوطنات غير شرعية، ومبنية على أراض محتلة، وتنتهك قوانين دولية كثيرة مقرّة في الأمم المتحدة، إضافة إلى قوانين حقوق الإنسان. فكرة المستوطنات لا ينبغي أن تكون مرسّخة في الذهن لمجمعات أسمنتية، تحتل حيزاً من مساحة جغرافية، بل هي بالأساس قائمة على فكرة الاستيلاء والبلطجة، وهو ما يجب أن يكون الموقف الأوروبي منها قائماً عليه، هذا إذا كان الأوروبيون يريدون التمايز عن الموقف الأميركي، وليس الالتفاف في انتقاده أو رفضه.
أما فكرة "تقويض عملية السلام" فحدّث ولا حرج، خصوصاً أن العملية ميتة، والدول الأوروبية نفسها، سواء عبر المشاركة في ما كانت تسمى اللجنة الرباعية أو غيرها، وقفت موقف المتفرج أمام كل الإجراءات الأميركية الخاصة بقتل هذه العملية، والتي من الممكن أن لا تقوم لها قائمة بعد كل ما تفعله إدارة ترامب. حتى أن الدول الأوروبية لم تسع إلى الدخول في تفاصيل الحديث عن "صفقة القرن"، وبقيت تتابع أخبارها عبر ما تتصدّق عليها به الإدارة الأميركية، على عكس الموقف الروسي على سبيل المثال، والذي طلب تفصيلات واضحة عن هذه الصفقة لتحديد موقف منها.
كل الإدانات التي من الممكن أن تخرج من الغرب ضد الإجراءات الأميركية الخاصة بالقضية الفلسيطينية ليست إلا تعبيراً عن العجز، في حال افتراض حسن النية، والتواطؤ في حال افتراض سوئها، أمام تكريس واقع جديد تبقى فيه القضية الفلسيطينية مشرذمة ومعلقة بسلطة من دون دولة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".