الأردن.. الملكية المطلقة والانعتاق الديمقراطي

06 يناير 2019
+ الخط -
تنتظم مطالب المعارضة الأردنية طوال عقد مضى حول فكرة الملكية الدستورية والحكومة البرلمانية وانتخاب رئيس وزراء، في دفعٍ شعبي إلى إنجاز إصلاحاتٍ جذريةٍ تشكّل، في جوهرها، نهاية لحقبة "الملكية المطلقة". ويأتي التدافع الرسمي والشعبي في سياق صيرورة تاريخية أردنية، تسعى إلى توظيف حالة السيولة والخلخلة في بنية النظام السياسي، للتأسيس لحقبة سياسية جديدة في الأردن الذي مرّ، منذ التأسيس عام 1921، بجملة من الصراعات الداخلية والخارجية، أدّت، في مجملها، إلى صياغة شكل النظام السياسي، وصعود مراكز القوى فيه وهبوطها.
تشكّل الأردن الحديث نتيجة انهيار الدولة العثمانية وأفول نجمها، مطلع القرن الماضي، حيث كانت البلاد تعيش مخاضها الداخلي إبّان تلك الحقبة عبر ثورات الشوبك والكرك والكورة التي كانت في سياق صعود القومية العربية في مواجهة خمس قرون عثمانية. ومع تأسيس إمارة شرق الأردن، حيث كان الاستقلاليون العرب ورجال العهد العثماني عناوين الإدارة العامة، في محاولة للحاق بالحلم الهاشمي، واستعادة مملكة سورية الكبرى الدولة الفيصيلية، فيما كانت القوى الوطنية تسعى إلى إيجاد مشروعها الوطني الخاص، من خلال عقد مؤتمرات وطنية وثورات شعبية عديدة بلغت ذروتها في طرح شعار "الأردن للأردنيين".
مع انتقال البلاد إلى الملكية عام 1946، ورحيل الملك عبدالله الأول، كان دستورعام 1952
 الذي وضعه الملك طلال، ذو الميول الوطنية الأردنية، فاتحا المسار لبلورة خيار وطني أردني، حيث كانت حكومة سليمان النابلسي عنوانا لنهاية حقبة المشروع العربي في السياق الهاشمي المتجاوز للمشروع الوطني. وعلى الرغم من تعثر التجربة الديمقراطية الوليدة، إلا أن مسار الوطنية الأردنية استكمل مساره عبر مؤسسات الدولة، والتي أفرزت قياداتٍ وطنيةً على غرار هزاع المجالي ووصفي التل، حيث كان المسار الوطني يعتبر عنوان الدولة.
مع رحيل وصفي التل في 1971، بدأت لحظة أردنية جديدة، عنوانها توازي المسار الهاشمي الذي بدأ في الصعود مع تراجع المشروع الوطني، وذلك في أعقاب اهتزاز اجتماعي وسياسي وأمني، أدى إلى دخول البلاد في حالةٍ من الارتباك، تركت آثارها عميقا في جسم الدولة وروحها.
عمليا، انقسمت البلاد على وقع أحداث 1970 بشكل عمودي وأفقي، حيث باتت الكتلة الفلسطينية خارج مؤسسات الدولة في سياق فصائل المقاومة الفلسطينية، ومشروع التحرّر الوطني، بينما انخرط الأردنيون في سياق مؤسسات الدولة ومشروعها الوطني العام في السياق الهاشمي الخاص.
كانت هبة عام 1989 لحظة أردنية تأسيسية جديدة، لم يُكتب لها النضوج، بفعل ظروف إقليمية ودولية وضعف العامل الذاتي، ما أدى إلى انكسارها، لتُوالي اللحظة الهاشمية تصاعدها على وقع الحرص على اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية.
واصلت الحقبة الهاشمية تصاعدها، طوال العقدين الماضيين، بينما كانت مؤسسات الدولة التي كانت عنوان الوطنية الأردنية تواجه استحقاقات التحولات الدولية الكبرى، وتحديدا في المجال الاقتصادي، حيث كانت تطبيقات الخصخصة في السياق النيوليبرالي تفكّك (وتعيد) صياغة هذه المؤسسات، تاركة قواعدها الاجتماعية التاريخية تواجه أزمتها المعيشية والاقتصادية الطاحنة. وأدى ذلك النهج إلى انتشار حالة من التململ في الأوساط الاجتماعية، المحسوبة تاريخيا على مؤسسات الدولة منذ مطلع عام 2007، فكانت حركات عمال المياومة وعمال الميناء وبيان المتقاعدين العسكريين والحراك من أجل إعادة إحياء نقابة المعلمين التي تم إغلاقها في خمسينات القرن الماضي تعبيراتٍ عن حالة الململة، وإن كانت في السياق الفئوي والخدمي، وفي حالة نادرة في السياق السياسي العام.
جاء الربيع الأردني في العام 2011 تعبيراً عن انفجار بنية النظام الرسمي، حيث بدأت 
شعارات الملكية الدستورية، والمطالبة بانتخاب رئيس الوزراء والحكومة البرلمانية، الشعارات الكبرى تحت عنوان الشعب يريد إصلاح النظام، وهي، في جوهرها، محاولة لإنجاز تحول تاريخي ينهي "الحقبة الهاشمية" كملكية مطلقة، وبداية مسار مشروع وطني ديمقراطي.
لم يكتب النجاح لحراك 2011 نتيجة جملة من الظروف الداخلية، أهمها عجز القوى التقليدية عن امتلاك الكتلة الحرجة لإحداث التغيير المنشود، إضافة إلى أن فاعلين كثيرين في تلك اللحظة من الوافدين الجدد إلى عالم الاحتجاج والسياسية كانت تنقصهم الخبرة والتجربة الكافية لإنجاز مشروع التغيير والاتفاق على ملامحه وأُطره. ومع بداية عام 2018، عاد الحراك إلى الشارع الأردني تحت العناوين نفسها، وإن كان الجمهور الجديد يشكل خلطةً من نشطاء 2011، وعناصر غاضبة بفعل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، مع تراجع واضحٍ وملموسٍ للقوى الحزبية التقليدية، وفي مقدمها جماعة الإخوان المسلمين.
ومع إصرار قوى الاحتجاج الشعبي، اليوم، على المطالبة بالملكية الدستورية، والحكومات البرلمانية وانتخاب رئيس الوزراء، يمكن القول إن الحقبة الهاشمية بوصفها "ملكية مطلقة" تواجه محطة فاصلة في تاريخها، توازيها لحظة تململ وتصاعد في اللحظة الوطنية الأردنية، والتي بقيت تمر بمراحل صعود وهبوط طوال مائة عام مضت.
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا