يا معوّم الحجر

يا معوّم الحجر

31 يناير 2019
+ الخط -
لم أجد، طول حياتي، رئيسا في العالم، أنعمت عليه الظروف مثلما أنعمت على السيد عبد الفتاح السيسي، فالرجل من قوى الشرق في العين والقلب، وخصوصا من روسيا التي أهداه رئيسها في أولى جولاته، محبّة ورعاية، جاكته الأحمر، ومن قوى الغرب في العين والقلب والروح من أميركا (وترامبها وكوشنيرها) وأوروبا (بفرنسا ورافالها) هي غاية المنى والطلب. ولم تبخل عليه أي دولة أوروبيةٍ لا بالطلقات، ولا بأدوات التعذيب أو المراقبة والتجسّس (يعني الراجل في عز وبياكل وز وبيشتري الطائرات ممن يشاء، وفي أي وقت يشاء، ويقتل في معارضيه كما يشاء، وكما يحب، ويقول في المساء: إحنا فقرا أوووووي). هذا دوليا. أما إقليميا، فحدث ولا حرج، فليبيا (بحفترها) في جيبه، والبشير معه أينما حل، ونسي موضوع حلايب وشلاتين تماما، وممكن في الأيام المقبلة أن يتنازل له حتى عن النوبة السودانية. حتى تركيا التي يعتبرها عدوته العظمى تتبادل معه تجاريا بالمليارات، وآلاف من المصريين من مطاردين وعمال وباحثين عن الرزق يدخلون تركيا بسهولة شديدة. ولم أكن أتصور أن تركيا أصبحت عندهم مثل ليبيا، إلا بعدما سمعت شابين ذوي تعليم متوسط يتحادثان، وأحدهما يقول لصاحبة "أخويا هناك، وأنا مستني شهرين الجيش وهسافر".. فضحكت على أطنان الشتائم التي يسوقها عبر المتوسط كل ليلة أحمد موسى وعكاشة لأردوغان وتركيا.
أما المليارات التي دفعها الملك عبدالله والإمارات، فور غسل يديه من دماء شهداء الحرس الجمهوري، فأمرٌ لم يصادفه أي منقلبٍ في العالم، في حدود علمي المتواضع، في الخمسين سنة الأخيرة على الأقل. أما البنك الدولي فحدّث ولا حرج.
يبقى الداخل، وهذا وحده فقط يثير الضحك، فرئيس منقلبٌ، في وضح النهار، ومعه الجيش من دمياط إلى حلايب وشلاتين، والشرطة كاملة مكملة. وهذا وحده يكفي، في دولةٍ الجيش فيها واحد من مؤسسات الدولة العميقة منذ أيام محمد علي باشا، والشرطة كان قوامها بالمتعاملين من الخارج والمحبين من غير سبب مليوني مسلح ومرشد. هذا بخلاف أصحاب أكشاك السجائر والمكوجية والبوابين، فماذا تنتظر بعد؟
الإعلام؟ عن يمينه وشماله وأمامه وفوقه وخلفه وتحته بـ 43 ألف موظف، بخلاف القنوات الخاصة وقنوات الجيش والمخابرات، مع رجال الأعمال من كل نحلةٍ وملّةٍ ودين، مع كل الملحنين وكتّاب الأغاني والمسلسلات والمنتجين، والنقابات الفنية والتمثيلية والموسيقية وهاني شاكر وأحمد بدير واتحاد الكتّاب، وحتى أولاد الريس متقال، والمفكّرين ابتداء من أحمد كريمة (دينيا) ومفيد فوزي (فوازيريا)، حتى دكتور مراد وهبة (فلسفيا)، حتى دكتور عليّ الدين هلال (سياسيا)، وجابر عصفور (نقديا حداثيا وما بعد حداثيا)، وهو الذي زادها بلةً وطينا في الولاء قائلا: "ولا مانع في الأيام القادمة إن استعملنا المكارثية"، على الرغم من أنهم استعملوها مغموسةً بالدم. أما المهذب الوقور بهاء طاهر، فقال عن عصيان طلبة جامعة الأزهر "وما الضير لو أغلقنا جامعة الأزهر سنتين حفاظا على الدولة". بالطبع، غير دور الأزهر وعلي جمعة والكنيسة ليل نهار، معه قلبا وقالبا ونصا، مع وزارة الأوقات بعدما وحّدت الخطبة في كل ربوع مصر.
وعلى الرغم من هذا كله، ترى أبوابَ سجون جديدة فتحت ببركة الديمقراطية أبوابها حتى للنساء، وجديدهن ابنة خيرت الشاطر (23 سجنا في وِش العدو)، على الرغم من هذا كله، فقطر الدولة التي فيها 300 ألف مصري يعملون ويرسلون تحويلاتهم إلى أسرهم، وتقع في قارة آسيا، ولا تتماسّ معه في متر من الحدود، توقِف مسيرة الرجل، لكي لا ينطلق إلى الفضاء.