في مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم

22 اغسطس 2018
+ الخط -
لم تمر سوى سنة واحدة، حتى وجدت منى نفسها بجوار أمها، تذكّرت أنها كانت في آخر عيد الأضحى قبل حفل زفافها تلعب مع إخوتها الصغار، وجاء عيد الأضحى ثانية، ووضعها لم يختلف كثيرا، إلا أنها لعبت بحياتها التي ذبلت بسبب الطلاق. كتبت قبل أيام في صفحتها متألمة: "في مثل هذا اليوم قبل سنة واحدة..."، مع صورة للدموع، وكأنها تخفّف عن نفسها حدّة الموقف.
منى طالبة نشيطة مجدّة، كنت عندما سمعت بحفل زفافها كدت أصاب بالصمم، لم أكن راضيا بذلك، وإلى الآن لم أعرف السبب، ربما لأنني كنت طالبا فقيرا أو كنت أغار على طالبات فصلي، وربما لأنني كنت متيقنا أن زواجهما سيكون سببا لدخولها في جحيم لن تطيقه.
ولأنني كنت طالبا فقط، شعرت بأنه لا قيمة لي في الأشياء التي تخصّني أنا، فما بالي وحياة الآخرين، مهما كانت علاقتي بهم. أخفيت غضبي، وكتمت خوفي على منى، وكأني أمها، من دون أن أتدخل في الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد، تابعت تفاصيل عقد قرانها وحفل زواجها من دون أن أحضر، ثم رأيتها مرات مع زوجها الذي يكبرها بخمسة عشر عاما وهما يسيران في الشارع، ويتجولان في المدينة وكأنهما يسيران إلى عالم مظلم .
غادرت المدينة بعد زواجهما بأيام قليلة، وقضيت وقتا طويلا بعيدا عن حيّنا، ثم عدت قبل الذكرى السنوية الأولى من زواجهما، فسمعت أنهما يطاردان حلم السعادة الزوجية في المحاكم، ويطاردهما حلم الانفصال، والتخلص من جحيم الزواج المبكر العشوائي.
أخبرني صديق كان طالبا معنا في الصف أن علاقتهما سيئة منذ البداية، وأمدّني بتفاصيل كثيرة، سمحت له ظروف الطالب المعطل أن يتابعها من دون ملل...، كل التفاصيل الدقيقة عن المتزوجين الجدد يعرفها الطلبة العرب ممن يحصلون على الشواهد الجامعية من دون التمكن من الالتحاق بعمل ما، والانغماس في المجتمع؛ حيث لا توفر لهم مجتمعاتنا عملا غير متابعة تفاصيل العشق والنسيان والزواج والطلاق.. يا لتفاهة الوضع!
اتكأت في تلك الليلة، حيث سمعت الخبر، وبدأت أتأمل في هذه القصة المؤلمة. طالبة في زهرة عمرها، وجدت نفسها بين ليلة وضحاها، وقد فقدت بسمة حياتها في مجتمعٍ لا يرحم، ورجل اقترب من الأربعين عاما، وهو ما يزال يبحث عن حياة مستقرة، وتأسيس أسرة تخفّف عنه تعب واقعنا المكفهر. وأكثر من ذلك كله، شعرت بأن أمتنا بما تعيشه من أزمة خانقة في عالم العواطف، إضافة إلى الأزمات الأخرى، لا تستطيع التحرّر والنجاة إلا إذا ناقشت هذه القضايا بكل وضوح ومسؤولية، إذ أنّ الحب والزواج والجنس في ثقافتنا ما يزال كالجمر الملتهب تحت الرماد، يشعل النار والفتن.
إلى اليوم، تضيع أوقاتنا في نقاش السياسة الحمقاء والقيادة الخرقاء في أوطاننا العربية، ونغفل جوهر الانسان، هذا القلب الذي يمثل مركز الإشعاع ولب الفرد الذي ينطلق منه التغيير، فالقلب في الحديث الصحيح إذا صلح، صلح الجسد كله، والتغيير بحقيقة القرآن يبدأ من النفس والفرد، أي من الجسد، هذا الجسد منهك عاطفيا لأن القلب مدمر عاطفيا، فأيننا وأين التغيير؟
ومما يدعم ضرورة النقاش العاطفي ما تعرفة الثقافة الغربية من تغيرات سريعة تشرق على الأمة، حيث نقتبس منها ما يغطي أصولنا وأخلاقنا في هذه الجوانب، ولأن الوضع (للأسف على ما وصفنا) فإن إغفال الدخول في هذا النقاش مع الاستيراد واستهلاك الوارد لن يزيدنا إلا سوءا وخسرانا.
حان الوقت ليكون لنا موقف في الموضوع، نجيب به على إشكالاتنا كما يعلمنا الدين وثقافة القيم والأخلاق التي ورثناها ناصعة، وإلا فإننا سنضطر إلى استيراد الأجوبة الجاهزة، كما تستورد دولنا المتناحرة المتقاتلة فتات ما تتبرّع به أمة الغرب، وكأننا لن نقوى يوما على التخلص من هذا العجز الإنتاجي، فنصنع على الأقل ما نسد به رمقنا من دون اللجوء إلى الآخر في ذل وهوان، نبيع أغلى ما نملك من أجل العيش.
مصطفى العادل
مصطفى العادل
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل