علمانية لبنان؟

علمانية لبنان؟

11 اغسطس 2018
+ الخط -
يتحدّث كثيرون عن "الخصوصيات اللبنانية"، وتحديداً "الخصوصيات الطائفية" في لبنان. والكلام عن الخصوصيات مجرّد ترسيخ لمبدأ "طوائفية النظام اللبناني". وهو المبدأ الذي عرقل قيام دولة علمانية حقيقية، تنصهر فيها الشعوب اللبنانية في قالب دولتي ونظامي، بعيداً عن توحّش الطائفية والفساد الناجم عنها. للمسلمين والمسيحيين خصوصياتهم، والتي تؤدي، بطبيعة الحال، إلى كسر مفهوم "الولاء للدولة"، في مقابل إحياء بند "الولاء للطائفة ولزعيمها ولحزبها".
الخصوصية الشيعية في لبنان، مثلاً، "وحدة صف" بين حزب الله وأمل، تعرّض للاختراق قبل أيام، بعد حرب تويترية وفيسبوكية بين الطرفين، على خلفية باخرة كهرباء في الجنوب اللبناني. حرب لم تُسثن منها الاعتبارات الدينية والمناطقية، قبل أن يخرج حزب الله وأمل ببيان مشترك يشدّد على "وحدة الصف". بالنسبة إليهما "عارٌ أن تنشر غسيلك الداخلي أمام الطوائف اللبنانية الأخرى وفي الأمة العربية جمعاء"، لأجل باخرة كهرباء.
الخصوصية المسيحية توجّه من خسر الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) لصالح الإيمان بحزبٍ أو حزبين، بغية استنساخ التجربة الشيعية، بثنائية حزبية. فشل الموضوع في الداخل المسيحي، لكن الخصوصية المسيحية ظلّت متيقظة، خصوصاً في ظلّ التعاطي على قاعة "كيف سنسترد بالسلم ما خسرناه في الحرب؟"، في سياق حرب الطوائف داخل الدولة اللبنانية. بالنسبة للخصوصية المسيحية "لا يهم إن استنجدتَ بالعالم كله لمحاربة خصمك داخل الصف الواحد، للقضاء عليه. المهم اقضِ على خصمك".
الخصوصية الدرزية "صرخة واحدة" تجمع الدروز من السويداء في سورية إلى لبنان، من دون اعتبار للعامل الجغرافي، بقدر الاستناد إلى العنصر البشري. وقد تكون الخصوصية الدرزية أقرب إلى عشيرةٍ واحدة، على حد وصف الصحافي علي حمادة الذي اعتبر، في لقاء تلفزيوني، أن "الدروز عشيرة واحدة من سورية إلى الأرجنتين". وفي هذا ضربٌ متجدّدٌ لمفهوم الدولة في لبنان، ولمفهوم التعايش بين اللبنانيين شعبا، لا شعوبا.
الخصوصية السنية ارتباط وثيق بالعالم العربي. لبنان أصغر من استيعاب تلك الخصوصية التي تعتبر نفسها على أطراف بحر هادر، ولا أحد يهتم بها. تماوجت تلك الخصوصية على مرّ التاريخ بين الولاء للعروبة أولاً أو لبنان أولاً، قبل حسمه في عام 2005، أقلّه في أدبيات تيار المستقبل، ممثل الأكثرية السنيّة في لبنان. يمكن أن تبتعد الخصوصية السنيّة عن لبنان، في أي لحظةٍ تشعر فيها وكأنه لا يشبهها، كعادة كل الطوائف.
الخصوصية اللبنانية دويلة مركّبة بصيغة هجينة. شعوبها متناثرة على امتداد الـ10452 كيلومتراً مربعاً، مع ثقل ديمغرافي ـ طائفي في مناطق محدّدة. تلك الخصوصية خاسرة حتى الآن، ولو لم تكن كذلك لما كان لبنان بوجهه الحديث. لا يمكن البحث عن صيغةٍ للتعايش في لبنان، بمعزلٍ عن النظام العلماني الذي يكفل كل الحقوق من جهة، ويسمح بتطوير القوانين ويُذيب الخصوصيات الطوائفية في قالب وطني من جهة أخرى. لا يمكن الحديث عن تطوّر لبنان، ما دامت المؤسسات الدينية مهيمنةً على قطاعي التعليم والطبابة، وطالما أن الدولة مجرّد "مستجيبة" لحقوق الطوائف.
وحده النظام العلماني كفيلٌ بحماية حق كل فرد وحق المجتمعات. لا يضع حدوداً بين الطوائف ويسمح بصهرها في قالب واحد. الاختلاط الطوائفي مطلوب، للاندماج في صيغة وطن، لا في صيغة طائفية. عليه، لا يعود القبض على مجرم وكأنه اعتداء على طائفة، ولا يعود انتقاد وزير بمثابة اعتداء على طائفة، ولا يصبح التركيز على أمير حربٍ كأنه استهداف لطائفة. هذه نظريات هجينة، يجب الإقلاع عنها بأسرع وقت ممكن في التاريخ، والتركيز على ما يُمكن أن يخرج لبنان من هذه الصيغ الطائفية التدميرية، لمصلحة صيغة وطنية غير مستهلكة وعلمانية بشكل أساسي. وأي تطوير من بوابة الطوائف، سيودي بالبلاد إلى الهلاك أكثر، ويجعلها عرضةً لتفسّخات مستقبلية أكثر.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".