طهران على مائدة الكبار

طهران على مائدة الكبار

16 يوليو 2018
+ الخط -
لم يعد سراً أن إيران ستتصدر جدول أعمال القمة التي تنعقد بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، اليوم في هلسنكي. وأن صفقة ما يجري طبخها بين واشنطن وموسكو منذ أسابيع. وفاحت رائحتها أخيرا، إلى حد دفع طهران إلى إيفاد علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي، إلى موسكو، في توقيت زيارة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو روسيا. في محاولةٍ إيرانيةٍ واضحة لقطع الطريق على أي اتفاق محتمل على حساب نفوذها ومصالحها، في سورية خصوصاً والمنطقة عموماً.
لم تتضح بعد ملامح الصفقة التي سيبرمها ترامب وبوتين بشأن إيران، لكن المؤكد أنها ستراعي حسابات (ومصالح) أربعة أطراف محددة، واشنطن وموسكو ومن حولهما تل أبيب ودمشق، فالتحالف الروسي السوري صار من القوة بحيث يدفع موسكو إلى التمسّك ببشار الأسد ونظامه، بعد أن كانت روسيا، قبل أشهر فقط، على استعداد للتخلي عن بشار، في مقابل ضمانات مستقبلية لها بتأمين نفوذٍ وتسهيلاتٍ عسكرية على الساحل السوري. والسبب المباشر في تحويل موقف موسكو إدراك الروس أن السياسة الإيرانية أكثر استقلاليةً بمراحل عن بشار الضعيف الذي يعتمد على غيره في البقاء في السلطة. كما تدرك روسيا أيضاً أن التنسيق مع طهران جزئي ومرحلي، في الملفين النووي والسوري.
وتجربة إيران في المفاوضات النووية، ورهاناتها على ما بعد الانفتاح أميركياً وأوروبياً، كفيلة بأن تفكر موسكو ألف مرة قبل الدفاع عن استمرار إيران على الأرض السورية، وتحمل مسؤولية ذلك أمام واشنطن وتل أبيب. وساعد في بلورة ذلك الموقف الروسي قبول واشنطن بقاء بشار الأسد، والتخلي عن مطلب خروجه من السلطة. والإقرار بأن ثمن إطاحته سيكون ترسيخ وجود إيران ودورها في الأراضي السورية، وهو ثمن غير مقبول، خصوصاً أن واشنطن تريد الخروج من سورية، ولا يمكن ضبط الوضع هناك قبل الخروج وضمان مآلاته المستقبلية، من دون اتفاقٍ واضحٍ ومفصلٍ مع طرف قوي قادر على الوفاء بالتزاماته. ومن وجهة نظر دونالد ترامب، ليس هناك أقدر على ذلك من بوتين.
في الوقت نفسه، حسابات واشنطن مرتبطة عضوياً بحسابات تل أبيب وتقديراتها للوضع المثالي بالنسبة لها في سورية. وقد أعلن نتنياهو صراحةً أن "إسرائيل لا مشكلة لديها مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ولا تُعارض استعادة سيطرته على سورية حال إبعاد الإيرانيين من البلاد".
وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة بين دمشق وطهران، إلا أنها علاقة مصلحة ونفوذ وورقة ضغط بالنسبة لإيران، بينما هي مسألة بقاء بالنسبة لبشار، فإذا أمكن تأمين البقاء بضمانات أطرافٍ أخرى، هي في الواقع أهم وأقوى، فالطبيعي أن ينسلخ بشار عن تلك العلاقة، ولتذهب إيران إلى الجحيم، أو على الأقل فلتواجه هي مصيرها بنفسها.
إذن، صارت طهران هدفاً مشتركاً للأربعة، واشنطن وموسكو وتل أبيب ودمشق. ولم تعد المسألة ضغوطا أميركية لتعديل الاتفاق النووي وترشيد السياسات الإيرانية، بل اتضح أن هدف ترامب أبعد من ذلك، فهو يريد تغييرا جذريا في وضعية إيران الإقليمية، وعليها قبول ذلك التغيير، طوعاً أو كرهاً.
الوجه الآخر لذلك المأزق الإيراني أن ثمّة فرصةً حقيقيةً لم تُحدثها إيران لنفسها، وهي الخلافات داخل إدارة ترامب نفسها بشأن الملفات الخارجية، خصوصاً بالنسبة للعلاقة مع روسيا، وجدية وجدوى أي اتفاق قد يبرمه ترامب مع بوتين. وهو ما يؤثر بالتأكيد على موقف ترامب اليوم أمام بوتين، حيث سيكون شديد الحذر قبل تقديم أي تنازل. خصوصاً فيما يتعلق بسيناريو وسيطٍ قد يتبنّاه بوتين، يقضي بعدم خروج الإيرانيين من سورية نهائيا، والاكتفاء بالتراجع بضعة كيلومترات عن الحدود الأردنية و"الإسرائيلية".
أياً كانت التفاصيل، ثمّة صفقة أميركية روسية متوقعة اليوم، إيران موضوعها وضحيتها. وحين يصف ترامب نظيره الروسي بأنه "منافسٌ وليس عدوا" فمعنى ذلك أن طهران ستعاني بقدر ثقة ترامب في بوتين.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.