جاء العيد ولم يتزوج بعد

جاء العيد ولم يتزوج بعد

27 يونيو 2018
+ الخط -
اقترب العيد مرة أخرى من دون أن تشرق شمس ذلك الحلم الجامد أزيد من قرن بزمن الحب. ما كان يريد أن يعيد رمي الجرّة مرة أخرى في هذا الموضوع رغبة في الذكرى، بقدر ما سعى إلى التأكيد على أنه ما يزال يتنقل بين جدران النسيان من دون جدوى. سوف يدرك حتى التائه المجنون أنه ما يزال كذلك، فكثيرا ما ظهرت علاماتٌ، تؤكد محنته جليةً أمام العيان، وإن حاول، في أحيان كثيرة، أن يتصرّف كأنه حر طليق.
اليوم ذكرته رسالة صديقه، عزيز، حتى وإن نسي قليلا، رسالة بمناسبة عيد الفطر جاءت من صديقٍ تلخصت صورته في البداية المتعثرة في طرق الحب. قرأ الرسالة، فاستلقى على سريره مغمض العينين، فقال وكأنه يخاطب حظه العاثر: "لقد تصرفنا بكل براءة في لعب المباراة مع الحب، صارعناه كثيرا على الحلبة من دون أن نعي أنه الحب، هذا الشعور القاسي الذي ينهار مع مرور الوقت، كما تنهار قلوبنا وأحلامنا، قاتلناه، شعورا منا بأن التحدّي طريقة يظهر بها الرجل العربي فحولته حينما تنعدم أمامه كل الطرق.
أخبرتني قبل أيام فقط بأن زواجك قد تحقق من دون أن أتلقى دعوة منك لحضور مراسيمه البهيجة، حاولت بكل صدق ألا أعرف يوم زواجك بالفعل، لأنني لا أريد الشعور بالغيرة، وربما لا أرغب في الكفر مرة أخرى، بالقدر الذي أضاء عالما وأظلم عالما آخر. سوف أغضّ الطرف عن الموضوع يا عزيز ثم أسألك بعد ذلك عن الحب والزواج، وعن الزواج والحب، فكل ذلك تهمني معرفته منك أنت بالذات.
علمت أنه سينتهز الفرصة في أول لقاء يجمعهما، ليعرف أدق التفاصيل، سيحاول مهما كانت الظروف أن يكذب مقولة: "يسعدنا الحب، ولا ننجو من وساوس الزواج"، حتى وإن كلفه الأمر اجتياز امتحان شفوي في الموضوع.
كتب ذات صباح في صفحته، وهو يقصد عزيز بالذات: "ستجتاز امتحانا شفويا، يا صديقي، فكن مستعدا، فأنت تدرك مدى تأثري بالامتحانات العربية، وتشربي بلا وعي لطبيعة السؤال العربي الذي يتوهم أنه يبحث عن جواب محدّد ودقيق". وكتب بعده بيوم تدوينة أخرى، قرأتها فشعرت بأنني طبيب نفسي، أحاول علاج هذا المريض من سقم الحب وداء البحث عن النسيان، قال: "في تلك المرحلة بالذات، كان من المفترض أن نتزوج، كان في برنامجنا السنوي أن نتزوج، حينما يميل لون الربيع نحو الصفرة، من دون أن نعرف إلى الآن لماذا هذا الاختيار. لا شك أن لهذا المقترح مبرّر لا يعرفه الرجال، يا عزيز، لكن القلب العاشق الذي يجلس هناك على حافة العزوبة، يطل منها على واقعنا الاجتماعي في هذه الأوطان البئيسة، لا يهمنا من يختار وقت الزواج، ولا الطريقة التي سوف يتم بها كل شيء، لا يهمنا سوى أننا سوف نتزوج لا غير".
نحن في أوطاننا العربية، حيث صار الحصول على لقمة عيشٍ كريمةٍ أقرب إلى المستحيل، يصعب الحديث عن الحب والزواج، ما يدعونا بالضرورة إلى إغلاق قلوبنا بشيءٍ من الحكمة، حتى لا يعشّعش فيها الحب السراب الذي يدمرها من دون أي معنى، على الشباب أن يحفظوا الحب الذي بدواخلهم ليوم يكونوا فيه بأمس الحاجة إليه، فإلى اليوم لم تظهر أي علامةٍ في هذه الأوطان، تشعل الضوء الأخضر للخوض في معركةٍ عاطفيةٍ، تكون نهايتها محسومة لصالح النجاح.
نحن، يا معشر الشباب في هذه المرحلة، نملك قلبا يشبه الطفل الصغير الذي لا يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب، وإن كان الخبيث واضحا وضوح الشمس، لذلك فغالبا ما يختار الحب بمفرده من دون الاستشارة مع العقل، وحتى إن استشار العقل في ذلك، فإن الأخير أحيانا لا يستطيع الحسم في هذه المرحلة، لأنه لا يكون بعد في ذلك المستوى الذي يجعله سندا قويا للقلب المسكين الضعيف.
مصطفى العادل
مصطفى العادل
مصطفى العادل
باحث في اللسانيات العامة بكلية الآداب، جامعة محمد الأول-المغرب. باحث بمركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الأمين العام للمركز العربي للبحوث والدراسات المعاصرة. رئيس قسم الأدب واللسانيات البينية بمركز مفاد.صدر له كتاب "المدارس اللسانية وأثرها في الدرس اللساني بالمغرب". يعرّف عن نفسه بالقول "كل لحظة تأتيك فكرة، يلهمك الله نورا لتعبر به عن معنى، فكن دوما مستعدا بسيف القلم كي لا تهزم في معركة الإبداع".
مصطفى العادل