معاهدة لوزان لن تنتهي في 2023

معاهدة لوزان لن تنتهي في 2023

23 يونيو 2018

توقيع معاهدة لوزان في يوليو 1023 (Getty)

+ الخط -
تبدو المعلومة المذكورة في العنوان، على بديهيتها وبساطتها، ليست بهذه البديهية والبساطة. رسالة مجهولة المصدر لاقت انتشاراً هائلاً في مواقع التواصل ومجموعات "واتساب" العربية، تحكي قصة خرافية عن قرب انتهاء معاهدة لوزان الموقعة عام 1923 بين تركيا وأطراف الحرب العالمية الأولى، وبموجبها تنازل أتاتورك (الخائن طبعاً) عن أملاك الدولة العثمانية في ثلاث قارات، ومن بنودها إلغاء الخلافة، ونفي الخليفة وأسرته، وإعلان علمانية الدولة، ومنع تنقيب تركيا عن النفط بأراضيها. ولذلك، يتوعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتركيا الجديدة في 2023، وهذا سبب التوتر الغربي ضده!
أبسط معلومات أولية تخبرنا فوراً بمدى أسطورية القصة، فلا يوجد، في هذه المعاهدة أو غيرها من المعاهدات الدولية المختصة بترسيم الحدود والأوضاع النهائية، أي مدة زمنية. وبالفعل تركيا تنقب حالياً عن نفطها، فلا يوجد ما يمنع ذلك. وقطعاً لم تنص الاتفاقية على ما يخص إلغاء الخلافة وإعلان العلمانية، بل المفارقة الحقيقية أن الخليفة محمد الخامس هو من تنازل عن مساحات شاسعة من تركيا في معاهدة سيفر 1920، والتي لم يبق بموجبها فعليا من تركيا التي نعرفها اليوم إلا الأناضول، بينما تضيع أغلب مساحتها بين الإيطاليين واليونانيين ومناطق دولية، فضلاً عن حق استقلال الدولة الكردية، وهذا تحديداً ما اندلعت لأجله حرب الاستقلال التي قادها القوميون وأتاتورك، لتنتهي بتحرير الأراضي التركية ومعاهدة لوزان. وللمفارقة أيضاً أن معاهدة سيفر هي التي اعترف فيها الخليفة بالتنازل عن كل الأراضي العثمانية التي يقطنها غير ناطقي التركية، أي بكامل الدول العربية، وواقعياً كان هذا مجرد إجراء شكلي، لدولة مهزومة في الحرب العالمية الأولى، وقد تم تقاسم أراضيها بالفعل.
الرسالة الأسطورية يتداولها مثقفون ومتعلمون وجامعيون، ولا تغيب الأسباب عن الذهن، فأمام بؤس الواقع لا يجد المرء العزاء إلا في الماضي، فما بالنا إذا كان هناك ما يداعب تحول الماضي إلى واقع، كالحالة الأردوغانية. وهنا لا بأس من الغرق في الأوهام العربية الخالصة، والتي لا تتردد في تركيا نفسها مطلقاً، فلا يجرؤ تركي على محاولة نشر إشاعة بهذا الشكل.
ليست ظاهرة الحنين إلى العثمانية وليدة اليوم، ربما يمكن نسبها إلى موجة ما سُميت "الصحوة الإسلامية" في السبعينات، وهي في جوهرها تحمل أسباباً سياسية قبل الأيدولوجيا، وهي رد فعل تلقائي على هزيمة 1967 المريرة، والتي حطمت إيمان جيل بالناصرية والقومية، فكان البديل الماضوي الخيار الوحيد المطروح. وفي ذروة الربيع العربي عام 2011، تراجعت بشدة خطابات الماضي، في مقابل خطط المستقبل.
لكن لعل على التيار الديمقراطي العربي، على الرغم من حالة الانتكاس الإقليمي الحالية، أن يسعى، في خطابه، إلى طرح النموذج الأكثر واقعيةً، وإن كان هو الأكثر صعوبة من الحنين العاطفي، خصوصا في ظل تردي حالة التعليم العامة في بلادنا. بالماضي، يمكن النظر إلى تجارب أكثر واقعيةً للتحول الديمقراطي في أفريقيا، وأميركا الجنوبية، وأوروبا الشرقية. وبالحاضر، نشاهد الحالة التونسية مثلاً على الرغم من نواقصها، لكنها قدمت نموذجاً لبلد يمضي في مساره من دون حروب أهلية، أو تفجير للمجال السياسي، أو إقصاء لأحد مكوناته. كما نشهد موجة من ردود الأفعال الشعبية الناجحة في المغرب والأردن، وأيضاً في البرازيل وغيرها، وعلينا ابتكار الوسائل ولو ببساطة مجموعات "واتساب" كما يفعل الطرف الآخر.
يبحث الناس عن النماذج والأحلام، وإذا لم يُقدم لهم صيغ واقعية وصادقة، فسيستكملون الغرق في أوهام الماضي، ثم يفيقون على الصدمات، وتتكرر الدوائر والعبث.