الباحثون عن قيء الغرب

الباحثون عن قيء الغرب

04 نوفمبر 2017

مايكل فالون.. لمس ركبة صحافية قبل 15 عاما (18/7/2017/Getty)

+ الخط -
لماذا يحتفي أنصار الاستبداد، بجانبيه العسكري والديني، بكل نقيصة غربية؟ لماذا رأينا الاحتفاء البالغ بأحداثٍ مثل عنف الشرطة الإسبانية ضد المطالبين باستقلال كتالونيا، فوز ترامب وتصريحات مساعديه العنصرية، التعذيب في أبو غريب وغوانتنامو.. إلخ؟
في الواقع، هم يسعدهم للغاية تدمير النموذج المخالف، لسان حالهم: انظروا، شرطتنا تضرب كالشرطة الإسبانية، ونمارس العنصرية ضد المسيحيين، كما يفعل الأميركيون ضد المسلمين، فلماذا تعترضون؟
في المقابل، يتجاهل هؤلاء مراراً ما يكذّب أوهامهم من وقائع كاشفة، وجديدها استقالة وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، بعد اتهامه بواقعة تحرّش. التفاصيل المبهرة للعين العربية أن صحافية، تُدعى جوليا هارتلي، قالت إنه منذ 15 عاماً، وضع يده على ركبتها في أثناء حفل عشاء كانت تجلس فيه بجواره.. فقط!
اعترف متحدث باسم فالون قبل يوم من الاستقالة بأن الواقعة حدثت، وأضاف أن فالون تعرّض للتوبيخ من هارتلي، فاعتذر لها بوقتها. وأشادت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، باستقالة فانون، وقالت إنها "القدوة التي نريد أن نضعها أمام أعين العاملين في القوات المسلحة نساء ورجالاً".
ماذا لو كان الفاعل وزير دفاع عربيا؟ تصعب مقارنة بلادٍ يكفي ضابط جيش برتبة متوسطة لبث الرعب في حي بأكمله، ببلاد يتولى فيها مدني يحمل الماجستير في الآداب وزارة الدفاع.
في بلادنا، من المُستحيل أن تجد الصحافية تنشر حرفاً، أما لو تم النشر، فما أسهل أن يتم تجاهله، أو يُقال إنه بلا دليل، وهو مؤامرةٌ لتشويه جيشنا العظيم في وقت الحرب على الإرهاب، فضلاً عن أن يقال إن هذا ليس تحرّشاً أصلاً. كان يربت عليها كأنه والدها، ولماذا تذكرت بعد 15 عاماً؟ و"إن الله حليم ستار" ..إلخ.
واقعياً، لم يستقِل الرجل لأن الضمير لديهم أفضل من الضمير لدينا، أو لأنه ليس في بلادهم "أزمة أخلاق"، كما يكرّر مبررو الطغاة في بلادنا. بل فعل لأن النظام السياسي والاجتماعي يُجبره على ذلك.
منذ اللحظة الأولى، كان انحياز الجميع للطرف الأضعف. ومنذ اللحظة الأولى، أصبح يواجه اتهاماً في الصحف والبرلمان، ولو كان أنكر بتحقيق رسمي، ثم ظهر أبسط دليل آخر، كأن تكون أرسلت رسالةً وقتها إلى صديق عن الواقعة مثلا، لتم القضاء عليه بتهمة الكذب الأكثر رعباً لدى السياسيين الغربيين. ولنتذكّر أن الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، استقال في فضيحة ووتر غيت، بعدما تمت إدانته بالكذب على الشرطة الفيدرالية.
لا يوجد أي مجتمع بشري طاهر، أو أي تجربة سياسية كاملة. في كل الدول، هناك قتل واغتصاب وتحرّش وعنصرية وفقر. في كل الدول، هناك سياسيون كاذبون، ورجال أعمال فاسدون، وموظفون مرتشون، ورجال شرطة مجرمون، فهل يعني هذا أن الكل سواء، كما يروج المضللون؟
الفرق أولاً في الكم والكيف. لم تقتل الشرطة الإسبانية مثلاً شخصاً واحداً، بل لم تطلق رصاصة واحدة، على الرغم من أنها تواجه دعاة الانفصال الذين تنطبق عليهم، في القوانين العربية، "جريمة الخيانة العظمى"، وعقوبتها الإعدام. ليست حالة الطوارئ في فرنسا حالة الطوارئ في مصر، وأسباب انتشار الجيش الإنكليزي في لندن بعد تفجير مانشستير بالتأكيد ليست مثل أسباب نشر جيش بشار الأسد في دمشق.
الفرق الثاني في التعريف، وفي ما هو مقبول رسمياً وشعبياً، تعريف التحرّش في بريطانيا ليس هو التعريف الشائع نفسه في مصر.
الفرق الثالث في آليات الرقابة والمحاسبة المركبة، والتي تشمل الشراكة الشعبية المباشرة. وهذه لم تأتِ بمعجزة أو بالميلاد، بل بعد تحول طويلٍ، شمل عقوداً أو قروناً، ونتذكّر هنا أن "الماغنا كارتا" البريطانية، أول وثيقة دستورية، تمت عام 1215.
سافرت، قبل سنوات، إلى الدنمارك، في أول زيارة أوروبية في حياتي، كان كل شيء مثالياً كما ينبغي له أن يكون، إلا أني شاهدت بقعة قيء في الشارع صباح الأحد، يبدو أنه تركها أحد السكارى. فكّرت أنني يمكن أن أقلد أحمق صور قمامة في شارع ألماني، وقال إنه يشبه مصر، بأن أصور هذا القيء الآن، وأقول أن هذا هو ما وجدت في الدنمارك. يبحث العاقلون عن العيوب ليتعلموا تجبنها، أما هواة البحث عن القيء لامتداحه فلا علاج لهم.