السوق الإيراني والاتفاق النووي

السوق الإيراني والاتفاق النووي

17 يونيو 2018
+ الخط -
تصورت الحكومة الإيرانية أنها قطعت الطريق أمام تأثير مستجدات الاتفاق النووي على السوق الإيراني، عندما استبقت قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالخروج منه، فأصدر البنك المركزي الإيراني قرارا في أبريل/ نيسان الماضي بتوحيد سعر صرف الدولار، وقرر أن يكون 42 ألف ريال إيراني للدولار الواحد.
شهد السوق الإيراني نوعا من الهدوء والاستقرار نتيجة القرار، إلا أنّ أي بائع للدولار لم ينفذ قرار البنك، وإنما العرض والطلب ومواقف وقرارات أطراف الاتفاق النووي والشائعات... كلها كانت سيدة الموقف في تحديد سعر الدولار، وليس البنك الذي توقف عن بيع الدولار بالسعر الذي قرره لعموم الناس، واقتصر البيع بالسعر الذي أقره على المستوردين والسائحين الإيرانيين.
الرعب من انهيار الاتفاق النووي تسلل الأسبوع الماضي إلى السوق الإيرانية من جديد، فشهد سعر الدولار قفزات خيالية، مع أنه يتراوح هذه الأيام بين 60 – 70 ألف ريال للدولار نتيجة تناقل الأخبار بشأن انسحاب الشركات الأوروبية العملاقة من الاستثمار والنشاط في إيران، إلا أن خبراء الاقتصاد لا يستبعدون أن يصل السعر إلى 120 ألف ريال لكل دولار، إلا إذا شهد الاتفاق حدثا كبيرا يعزز بقائه ويحول دون انهياره.
ربما أروقة الحكومة الإيرانية هي الوحيدة التي لا تشعر بهزة انهيار الاتفاق النووي، فبدل أن تسعى إلى إيجاد حل عملي لهذا الرعب الشديد الذي يسود السوق الإيرانية، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، بدأت تقلل من شأنه، واعتبرته مجرد حالة نفسية يشعر بها التجار والمتعاملون بالعملة الأجنبية، ولا يمت هذا الشعور بأية صلة للواقع! فلا تزال أطراف الاتفاق النووي (روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) تعلن تمسّكها به.
فيما يتعلق بالشركات الأجنبية العملاقة، صحيح أنها هجمت على طهران بعد التوقيع على الاتفاق النووي في 2015، وأبرمت اتفاقيات مع الجانب الإيراني، ولعبت دورا رئيسيا في عودة الاستقرار إلى السوق الإيراني، إلا أنها علقت تنفيذ الصفقات والاتفاقيات التي أبرمتها على استمرار الاتفاق النووي، وعدم انسحاب الولايات المتحدة منه، وعلى الرغم من أن معظم هذه الشركات لم تنفذ الصفقات والمشاريع التي وقعت عليها إلا أن الفوضى سادت السوق.
لا تريد حكومة الرئيس حسن روحاني الاعتراف بأن الاتفاق النووي يعيش مرحلة الموت السريري، وتسعى إلى الإيحاء بأنه لم يحدث شيئا، وأن الاتفاق لا يزال صلبا، وأن الانسحاب الأميركي لم يؤثر على قوته، إذ ليس مستغربا موقفها السياسي والإعلامي والجهود التي تبذلها من أجل بقاء الاتفاق، فمع انهياره ستفقد حكومة روحاني مبرّر وجودها وبقائها، لأن روحاني عندما فاز في الانتخابات الرئاسية 2013، أكد للشعب الإيراني أنه لا يزال ملتزما بالوعد الذي قطعه، وهو إيجاد حل للملف النووي، وإنهاء العقوبات التي فرضت على إيران.
وبالفعل، نجح في إبرام الاتفاق النووي، وإلغاء العقوبات عن إيران، غير أن الشعب الإيراني لم يصوّت لروحاني، ليحل المشكلة بشكل مؤقت، ويبقى تحت رحمة بقاء هذا الطرف، أو انسحاب ذلك الطرف من الاتفاق النووي.
السؤال المطروح هو: إذا كان الدستور الإيراني لا يسمح للرئيس روحاني بالترشح لولاية ثالثة في 2021، فلم كل هذا الإصرار على الاحتفاظ بالاتفاق النووي؟
بغض النظر عن انعكاسات الاتفاق على الوضع في إيران، فإنه الورقة الرابحة للأحزاب الإصلاحية الإيرانية في مقابل الأحزاب المبدئية. وبالتالي، فإن تماسك الاتفاق النووي يعني توفر فرصة أخرى لهذه الأحزاب، للفوز في انتخابات 2021. كما أن انهيار الاتفاق يعني احتمال تعرّض روحاني للاستجواب ورحيله عن السلطة قبل انتهاء ولايته، ومع أن الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، المانيا) أعلنت أن انهيار الاتفاق يزعزع مكانة روحاني في السلطة، إلا أنه من المستبعد أن تفرط بمصالحها مع أميركا من أجل روحاني.
أوروبا منسجمة مع الموقف الأميركي من إيران، وتدعو إلى إيجاد حل بشأن الصواريخ الإيرانية، ودعم طهران لبعض الأحزاب في المنطقة، وفي مقدمتها حزب الله، والنفوذ الإيراني في المنطقة، ومن غير المتوقع أن تبقى أوروبا في الاتفاق النووي، لو لم يتم التوصل إلى حل بشأن هذه القضايا.
avata
avata
صالح القزويني (إيران)
صالح القزويني (إيران)