أوروبا والاتفاق النووي

26 يونيو 2018
+ الخط -
ما عدا تصريحات قادة أوروبا بأنهم سيتمسكون بالاتفاق النووي، والقرار الذي اتخذته المفوضية الأوروبية، في 18 من شهر مايو/ أيار الماضي، بالتصدي للعقوبات الأميركية ضد الشركات الأوروبية العاملة في إيران، وتقديم الدعم لهذه الشركات، وهو قرار يستطيع البرلمان الأوروبي نقضه؛ فإن أوروبا لم تفعل شيئا، ليبقى الاتفاق متماسكا أمام العقوبات والإجراءات الأميركية.
صحيح أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وضع في 21 من شهر مايو/ أيار الماضي 12 شرطا لإلغاء العقوبات عن إيران والعودة إلى الاتفاق النووي، غير أنّ كل تلك الشروط يمكن اختزالها بشرط واحد، لو نفذته إيران لما كانت أيّة مشكلة بين إيران والولايات المتحدة، فضلا عن أن تكون هناك مشكلة بين إيران والدول الأوروبية. وهو الذي تسميه الإدارة الأميركية وقف دعم إيران للإرهاب، وتقصد به دعم إيران الفصائل الفلسطينية المقاومة وحزب الله، فلو نفذت إيران هذا الشرط، لتبدّدت سائر الشروط بشكل آلي وذاتي، لأنّ تنفيذ هذا الشرط يعني التوقف عن القيام بأي إجراءٍ يعادي إسرائيل، ما يعني تطبيع العلاقات معها. ومن الطبيعي أنّ التوقف عن القيام بأي إجراء يهدّد إسرائيل، سيجعل كل ما تقوم به إيران لا يرقى إلى مستوى التهديد، بما في ذلك امتلاكها الصواريخ، بل وحتى القنبلة النووية، وكذلك تحركاتها في دول المنطقة، أو ما يعبّر عنه بالنفوذ أو السياسة التخريبية الإيرانية في المنطقة، بل سيتحول كل ما تقوم به وتقدم عليه مشروعا، كما الحال مع الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل.
ليست لدى أوروبا مشكلة مع إيران في القضايا التي تطرحها الولايات المتحدة، وليس لديها إصرار على أن تنفذ أو لا تنفذ إيران هذه الشروط، وإنما المهم لديها عدم تعرّض مصالحها للخطر والتهديد، سواء كانت في إيران أو في أميركا، فلو استطاعت الإبقاء على مصالحها في إيران والولايات، من دون أن تطالها العقوبات الأميركية، وهو ما تسعى إلى تحقيقه في الوقت الراهن. ولكن لو تعرّضت مصالحها للخطر، فليس من المعقول أن تضحي بمصالح كبيرة من أجل مصالح ضئيلة.
إذن، لماذا تعلن أوروبا، بكل قوة، أنها ستتمسك بالاتفاق النووي؟
هناك عدة أسباب لذلك: الأول، من أجل الحفاظ على مصالحها في إيران. الثاني، أن أوروبا لا تريد أن توحي للعالم أنها ذيل للولايات المتحدة، وتنفذ كل ما تطلبه منها. الثالث، لأن الولايات المتحدة لم تبدأ بتنفيذ العقوبات، وإنما أمهلت الدول الأوروبية بين شهرين إلى أربعة أشهر لتنفيذها. الرابع، وهو العامل الرئيس في الموقف الأوروبي، وهو أن الاتحاد الأوروبي يريد استخدام إيران والاتفاق النووي ورقة لحل مشكلاته مع الولايات المتحدة.
لدى الاتحاد الأوروبي مشكلات حقيقية مع الولايات المتحدة، وتأتي مشكلات الرسوم الجمركية والهجرة والمناخ في مقدمتها، وتسعى أوروبا إلى الحصول على تنازلات من واشنطن في هذه المشكلات، فهل يا ترى إدارة ترامب مستعدة لتقديم تنازلات لأوروبا في هذا الصدد؟
يتوقف الأمر على مستوى التصعيد الذي تعتزم إدارة ترامب الوصول إليه ضد إيران، فلو أرادت الوصول إلى أعلى مستوى، وهو شن الحرب الشاملة ضد إيران، فالمؤكد أنها لن تستطيع القيام بذلك من دون إجماع عالمي، والذي لن يتحقق من دون مسايرة أوروبا لأميركا ضد إيران. ولكن إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تريد مجرد الضغط على إيران، وربما توجيه ضربات عسكرية لها، فمن المستبعد أن تقدم تنازلات لأوروبا، بل ستمضي في فرض العقوبات ضد الشركات الأوروبية العاملة في إيران.
ولا ينسى هنا أنّ التحركات والإجراءات الإيرانية ستلعب دورا مهما أيضا في هذا الإطار، فالمؤكد أنّ طهران لن تقف مكتوفة الأيدي، كالشاة التي تنتظر نزول السكين على رقبتها ليذبحها، بل ستعمل جاهدة إلى إفشال العقوبات ضدها، والحؤول دون تبلور إجماع عالمي ضدها، وكما أعلنت مرارا أنّ الولايات المتحدة ستكون المتضرّر الأول من الانسحاب من الاتفاق النووي، فإنها ستعمل على أن تكون المتضرر الأول من الخروج من الاتفاق النووي.
avata
avata
صالح القزويني (إيران)
صالح القزويني (إيران)