أسامينا

أسامينا

09 مايو 2018

(العربي الجديد)

+ الخط -
لأن أمي كانت معلمةً في المرحلة الابتدائية، فقد كانت تبذل كلَّ جهدها في تعليم الصغيرات؛ لأن كلَّ واحدة بالنسبة لها، كما كانت تقول، نبتة صغيرة يسهل تقويمُها، إذا ما امتدت لها اليد الخبيرة الرقيقة، منذ البداية. ولكن هذا لم يمنع أن تصل المعلمة إلى ذروة عصبيتها، حين لا تتجاوب معها النبتة، أقصد التلميذة ذات المريول المخطَّط. ولذلك كانت تقرأ اسمها المدوَّن فوق دفترها، ثم تصيح بها: لو كان الاسم يُشترى، لما نِلْتِ هذا الاسم.
وهكذا حدَّدت المعلمة الطيبة أنَّ لكل إنسان من اسمه نصيبا، ورأت أن حبَّها والد زوجها وتقديرها له، سيكونان باختيار اسمه لأول مولود ذكر، بعد أن وضعت بنتين، على التوالي، ولم تنسَ أن تختار لكلِّ واحدة اسم إحدى صديقاتها؛ تقديرا لحبها كلتيهما.
قالوا قديما إن المولود يأتي، واسمه معه، على الرغم من أن فيروز تغني "أسامينا، شو تعبوا أهالينا، تلاقوها". ويبدو أن الرأيين يتطابقان معاً؛ لأن الحَيْرة التي تسود بيت الوافد الجديد، عدَّة أيام، قبل الاستقرار على اسم معين، تنتهي بأن يخطر اسم ما على بال أحدهم؛ فيرضى الجميع عنه، أو أن يأتي شخصٌ عزيزٌ على العائلتين، فيقترح اسما؛ فيوافقوا عليه، أو حتى يختاروا اسما يناسب حادثةً، أو واقعةً يرغبون في تخليدها، وترافقت مع مولد الوافد الجديد الذي انضمَّ إلى العائلة.
اعتقدتُ أن الاسم لا يعني شيئا بالنسبة لهذا الكائن الصغير الملفوف في أقمشة بيضاء متعدِّدة الطبقات (الكافولة)، حتى حدَّثتني سيدة بأنها وضعت طفلا، بعد مشقَّة، وطول انتظار؛ فأطلقت عليه اسم محمد، وهي تعتقد أن ليس هناك أفضل من اسم الرسول الكريم، ليكون اسما لطفلها الوحيد الذي لم تُرزَق بعده بأطفال، لكنها عانت من أن الطفل دائم المرض، عليل الصحة، ودارت به على الأطباء، وأنفقت كلَّ ما تملك، حتى صار يمشي على الأرض بصعوبة، ويسبقه أقرانُه، إلى أن اقترحت عليها جارة لها أن تغيِّر اسم الصبي، على اعتقاد راسخ منها أن الاسم غير مناسب له. وعلى الرغم من استنكار الجميع، إلا أن الأم الملتاعة قرَّرت أن تفعل ذلك، فغيَّرت اسم الطفل إلى اسم آخر، من أسماء الموضة الدارجة، والذي يشير إلى السموِّ والرفعة، وهو سامي، والغريب أن الطفل توقف عن المرض والاعتلال، وبدأت الصحة تعرف طريقها إليه، حتى فاق أقرانَه بمراحل.
لا أحد يستطيع أن يجزم ما الذي حدث في هذه القصة التي تأكدتُ من تطورات أحداثها، ويبدو أن هناك قوة كامنة في الاسم ترتبط بشخصية الإنسان؛ لذلك قالوا إن لكل شخصٍ نصيبه من اسمه. وعن ذلك تناول بإسهاب علم طاقة المكان هذا الموضوع، فحرص الأجداد الصينيون على اختيار أسماء الأحفاد، وأولوا اهتماما للأحلام والرؤى التي ترتبط بقدومه، كما أنهم يرون أن اسم المولود ثروته الحقيقية؛ لأنه يحمل له السعادة، أو الشقاء في حياته.
وفي ديانة الإسلام، كان الاهتمام بحسن اختيار اسم الابن، أو الابنة. وكان التحذير واضحا من أسماء بعينها، ظهر بعد سنوات بُعْد نظر قائلها، وهو الرسول الأمِّي الذي خرج من صحراء مكة، فنهى، على سبيل المثال، عن تسمية المولود باسم حرب. وبالفعل فأنا أعرف حرباً، تزوج أربع نساء، وكان معروفاً بحربه الضروس على جنس الحريم كافَّة، فلم تكن امرأة تبقى على ذمَّته أكثر من عام؛ لسوء طبعه، وشراسة مسلكه، فهو لا يعرف الرقَّة، ولا يجيد سوى الضرب والعراك.
لا تقف الأسماء عند الأشخاص، بل تمتدُّ إلى أسماء البلاد، ومهما كابرنا بأن هذا الأمر لا يرتبط بالنجاح، أو بالفشل، أو بالانتعاش والكساد، نجد أمثلةً تدفع إلى اليقين بأثر الاسم على المُسمَّى، ومن ذلك حين غيَّرت بومباي اسمَها، ليصبح مومباي فقد صاحبت الاسمَ الجديد زيادةٌ ملحوظة في الانتعاش الاقتصادي، بعد فترات طاحنة من الكساد والحروب والتفجيرات؛ بسبب اسمها الذي يبدأ بكلمة بومب، أي قنبلة أو انفجار، هذا والله أعلم.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.