عن المقاطعة في المغرب

عن المقاطعة في المغرب

22 مايو 2018
+ الخط -
منذ ثلاثة أسابيع وقبل شهر رمضان بأيام، وهو الشهر الذي ترتفع فيه وتيرة استهلاك المواد الغذائية وغيرها، قررت فئات اجتماعية، يبدو أنها تنتمي لما يطلق عليه عادة الطبقة الوسطى والمتعلمة، أن تقاطع ماركات خاصة بمياه معدنية وحليبا ومحطات بنزين.
قلنا، إنها فئات غير معوزة، لأن الفئات التي حالها كذلك لا تشرب المياه المعدنية والحليب إلا عندما يوصي بها الطبيب لتناول دواء أو تقوية مناعة عند سوء التغذية، وقد ينصاع لتوصيات الطبيب أسبوع على أقصى تقدير.
هي فئات متعلمة، لأن إعلان المقاطعة تم عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، لنكون أمام أسئلة: من هي الجهة المبادرة؟ وأين؟ وما بواعثها الحقيقية؟ لا أحد يعلم؟ فهل هذا النشاط قروي أم حضري؟ وما حظ النساء في الحملة؟
على الرغم مما سبق، تعتبر المقاطعة هذه فعلا اجتماعيا، يستحق أن يؤول من أجل فهم تجلياته وكيفية اشتغاله وعواقبه. وفي القراءة الأولى، يبدو أنّ الحركة فعل احتجاجي اجتماعي بسيط مرتبط بغلاء هذه المواد، خصوصا البترول، لما ألغت الحكومة السابقة ما يسمى في المغرب صندوق المقاصة، وهو آلية اجتماعية كانت تحمي بها الدولة القدرة الشرائية للمواطنين ضدا على تقلبات السوق والاحتكار والمضاربة بالنسبة للمواد الأساسية، الطحين والسكر والزيت وغاز البوتان والبترول. لكن، ونظرا إلى التوجه النيوليبيرالي للدولة عموما، وللحكومة خصوصا، فقد تقرّر إلغاء الآلية باعتبارها مكسبا شعبيا، بدعوى أنّ الفئات الغنية هي التي تستفيد من الدعم، وأن الدولة من الممكن أن تعوض الفئات الفقيرة مباشرة، مستلهمة في ذلك بعض تجارب دول أخرى. لكن الحكومة لم تقدم أي آلية تعويض، وتركت السوق الاحتكاري يفعل فعلته وفق الريع الوراثي وليس وفق دعم الإبداع والتجديد والمقاولة الصغيرة والمتوسطة والزراعة العائلية، فحصل أن تلكأ الحوار الاجتماعي عقدا، منذ ما سمّي الربيع المغربي الذي استطاع النظام، وبذكاء كبير، أن يحتويه بمشروع التوافق حول دستور 2011.
المقاطعة ربما هي الأولى في التاريخ المستقل للمغرب، ميزتها الأولى أنها خرجت من "فيسبوك" من دون أي علاقة بأي حزب وأي نقابة، الأمر الذي أربك التنظيمات هذه، ولم تستطع أن تأخذ موقفا تجاهه، وهو ما اعتمدت عليه الحكومة بالتركيز على أنّ الحركة غير منظمة وغير مهيكلة.
في البداية، اعتبرت افتراضية تعلن في الليل لتترك في النهار أمام الحاجة للمواد المعلنة. لكن ومع الاستمرارية تطور موقف الحكومة إلى اعتبارها مجهولة المصدر بتعبير رئيسها، ولا حوار مع مجاهيل، وهو كلام يقترب كثيرا من عبارة "من أنتم؟" الشهيرة. وبين النعتين الافتراضي والمجهولي، تراوحت نعوت انفعالية أخرى، مثل الشيوعية و"المداويخ" التي تعني في اللغة اليومية المغربية أن أهل الحملة خارج الوعي ومخدرون، وكان الانفعال الأكبر، والذي أعقبه اعتذار هو تخوين المقاطعين.
ومرّ زمن واستمر شد الحبل بين المقاطعين، وصمت الشركات والحكومة، غير أن إثارة المشكلة في البرلمان جعل الحكومة تخرج ببيان تهديدي للفئات المروجة الأكاذيب بشأن السلع والمقاولات المعنية والتلويح بالعودة إلى إصلاح قانون الصحافة. وهو بيان يدل على ضيق نفس وصدر الحكومة وتمظهرها بغير وظيفة الحكم المدبر للأزمة والاختلاف وظيفة أساسية لها، وهو ما أجج المقاطعة التي بدأت تجد تعبيرات إبداعية من قصائد شعرية وأغاني ورقصات وتدوينات ساخرة أعطتها نكهة الاحتفال، بدل الاحتقان الذي تخلقه المظاهرات في مناسبات شبيهة.
هو أسلوب جديد في الاحتجاج، ينم عن تحولات تعبيرية قوية، وجدت في التكنولوجيا الرقمية ضالتها. ولكن يبقى السؤال: ما مدى فعاليتها؟ وهل ستستمر؟ وكيف ستستجيب القوى المحافظة؟
هذا ما ننتظره، وربما ليس لمدة طويلة.
F103ACEE-0B16-4840-B9A7-80F65E4B72D2
F103ACEE-0B16-4840-B9A7-80F65E4B72D2
قسطاني بن محمد (المغرب)
قسطاني بن محمد (المغرب)