عيد تحرير سيناء سابقاً

عيد تحرير سيناء سابقاً

27 ابريل 2018
+ الخط -
تعاني سيناء، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية، من تهميش شديد من الدولة وسلطة الاستبداد، وخصوصا السلطة الانقلابية التي جعلت من سيناء مسرحا لصناعة الإرهاب المحتمل الذي صار لا يحتمل. ومع ذلك يظل هؤلاء المستبدون يتعاملون مع الجغرافيا، ومع التاريخ، تعاملا رمزيا، حينما يعقدون الأعياد، ويلقون الخطب والكلمات الرنانة، ويتحدثون عن تاريخ مضى، على الرغم من أن أعياد التحرير لسيناء صارت أياما سوداء من التفجير والتهجير، وعلى الرغم من أن هذا التهميش ظل قائما ودائما يعبر عن سياسات ثابتة، وكأن هذا الجزء من الوطن قد كتب عليه أن يدفع ضريبة الاحتلال والاستبداد، أو الاحتلال والاستبداد معا.
وعلى الرغم من أن سيناء البوابة الاستراتيجية لمصر، وفيها معبر رفح الذي يطل على أرض غزة المحاصرة وبوابات فلسطين المحتلة، فإن سكانها يشعرون بالامتهان والإهانة، ضمن خطاب المهانة الذي تطلقه أبواق الإعلام فتحرّض على أهلها. وتمارس دولة الانقلاب، بإعلام إفكها، حالة من الاتهام المستمر لأهالي سيناء، والذي يضاف إلى الإرهاب الذي لا يحتمل سلوكا ممنهجا ضد أهالي سيناء، لا يمكن احتماله، ولا يمكن قبوله، ذلك أن هؤلاء صاروا ينظرون إلى أرض سيناء كأنها وسية في أراضيهم، يتنازلون منها عما شاؤوا، ويبيعون من أرضها للأجانب ما أرادوا، ويفرّطون في أرض سيناء ضمن مشروع مزمع يسمى صفقة القرن. يبدو ذلك في عدة مشاهد على أرض سيناء:
أولها مشهد التغرير. لكم أن تعودوا بالذاكرة إلى ما قاله عبد الفتاح السيسي المنقلب، عندما كان وزيرا للدفاع، يحذر من سياساتٍ يمكن أن تورث الانتقام لأهل سيناء، خصوصا حينما تمارس
 الدولة سلوكيات تتعلق بالتفجير والتهجير، مستبعدا ذلك أن يكون من سياسات جيش مصر الذي يجب أن يكون فطنا لردود الأفعال، وضرورة تفاديها، والتعبير عن المحافظة على أهالي سيناء هدفا استراتيجيا، لا يجب العبث فيه أو التفريط به، إلا أن ذلك لم يكن إلا كلاما تبعته سياسات خطيرة، تفعل وترتكب كل ما حذّر منه من تفجير وتهجير. كان ذلك تغريرا بكلام مختلف، يعبر عن استراتيجية مناقضة، تجعل من تأمين إسرائيل أحد أهداف الأمن القومي المصري، في إطار عملية تغرير كبرى، لم تعد تلقي بالا لأهل سيناء، لكنه استبدل ذلك بهدف تأمين الكيان الصهيوني، وكل ما ينتمي إليه، مؤكدا أنه لن يسمح بأن تكون سيناء قاعدة انطلاقٍ لتهديد أمن إسرائيل. كان ذلك هو مشهد التغرير الذي يبلغ ذروته، حينما يقوم المنقلب بتمرير عمليات التنسيق الأمني الدائم واليومي مع الكيان الصهيوني، بل صار هذا الكيان يقوم بعمليات منفردة، وبسماح من قائد الانقلاب برعاية هذا التنسيق، ليتحقق المعنى الكبير من إهدار كل الثوابت في مفهوم الأمن القومي المصري، بل تغيير العقيدة القتالية والتغيير العمدي لمفهوم العدو.
المشهد الثاني مشهد التفجير، وصار عملا يوميا، وسياسة ممنهجة، تتعلق بتفجير المنازل، وحتى المساجد، ضمن عملية إجبار كبرى لأهل سيناء أن يتركوا مساكنهم ضمن خطةٍ مريبةٍ ومريعةٍ، لتفريغ الشريط الحدودي لتأمين الكيان الصهيوني.
المشهد الثالث التهجير، وهو مشهدٌ تابع لعملية التفجير الممنهجة، بعمليات إجلاء وتهجير لأهل سيناء تحدث حالةً من التفريغ السكاني المقصود، من دون أي اعتبار لأهل سيناء في أملاكهم وأعمالهم، وما ألفوه من مساكنهم. وقد مورست مع ذلك كله سياسات الاقتلاع و"الترانسفير" لأهالي سيناء من دون رحمة، ومن دون معقب. وعلى الرغم من ادعاء هؤلاء أنهم قد عوّضوهم، فلم يكن ذلك إلا من قبيل دعايات كاذبة، والتي استكملت حلقاتها في عمليات التهجير المتعمد، إذ صار الشريط الحدودي الفارغ لا يعد بالأمتار، ولكن يتسع ويمتد ليكون بالكيلومترات.
المشهد الرابع هو التزوير، يزور على عملية الحرب بالإرهاب، فيعلن الحرب المقدسة على الإرهاب في سيناء ضمن خطته الانتخابية، في محاولة منه لتبرير عمليات الطوارئ، والتأكيد على أنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، وأن جيش مصر يخوض المعركة الكبرى المباركة، ثم يخفت كل هذا بمرور المشهد الانتخابي بعملية تزوير كبرى، يعلن فيها المنقلب، وبعض زبانيته وإعلام إفكه، كل هذا الوضع للتأكيد أن من تحدث منتقدا يخون الوطن، ويخون جيش مصر، وأن هؤلاء، بما يمارسونه من استبداد وطغيان، لا يمكن أن يطاولهم من جرّائه حساب أو مساءلة، إنها الحرب التي لا يعلو صوت فوق صوتها. كان هذا عمل التزوير لتلك الحالة الانتخابية لحماية السيسي الذي قام بكل ما من شأنه أن يجعل من عملية الانتخابات، وحفاظه على كرسيه، عملية مقدسة ضمن عملية مواجهة الإرهاب ومكافحته، اعتقل المرشحين وحدّد إقامتهم، ولا كلام بعد ذلك أو تعقيب، محاولة لتمرير كل هذه الأفعال في اختلاط المشاهد؛ المشهد الانتخابي ومشهد الحرب على الإرهاب والحفاظ على الكرسي.
المشهد الخامس، العقاب الجماعي لأهالي سيناء بدعوى مكافحة الإرهاب، وفي إطار منع السلع، وكل ما يقيم أود المواطنين، وكذلك إيقاف الدراسة في المراحل التعليمية المختلفة من دون أدنى تدبير لبديل حقيقي ومناسب، إلا أن يوحي لهؤلاء أن يتركوا بلادهم إلى منطقة الإسماعيلية، في محاولة منه لتمرير عملية تهجير أخرى لأهالي سيناء، ضمن إعلانات الطوارئ وتعطيل كل ما يتعلق بمعاش الناس ومعايشهم، وكل ما يتعلق بالخدمات التعليمية والصحية، حتى يصير العيش في تلك الجغرافيا لا يطاق في عملية عقاب جماعي ممنهجة، تجعل عملية التهجير إكراهية وإجبارية، في نظرهم وبعلمهم، وبحصارهم وبتضييقهم، بل إنه لم يتورع في هدم منشآت صناعية قائمة، وباستخفاف شديد، في إطار عمليات تتعلق ظاهرا بعمليات تأمين، لكنها لم تكن إلا قرائن ضاغطة لمشروعات التهجير.
المشهد السادس، يتعلق بجملة من المشروعات التي يدّعي أنها لتنمية سيناء، بل ويطلب تبرع المصريين لها، وهي في حقيقة الأمر إعداد لمشروعات استثمارية، مزمع الاتفاق عليها مع 
الإمارات ودول خليجية أخرى، وتنازله عن مساحات كبيرة من الأراضي لمصلحة بعض تلك الدول، فضلا عن ذلك التنازل المهين عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بعد أحكام قضائية نهائية أكدت مصريتها، لكن من فرّط في مفاهيم الأمن القومي ومهمات الجيش الأساسية لمواجهة العدو الصهيوني، يمكن أن يفرّط في الأرض لمصلحة استراتيجية للكيان الصهيوني، حتى أن تقارير واستطلاعات رأي في إسرائيل، وهي استطلاعات قامت بها جهات محايدة، أشّرت إلى تفوق شعبية السيسي لدى الصهيوني المحتل بصورة أكبر من شعبية نتنياهو نفسه.
أما المشهد المرتقب فهو مشهد التهجير بالتأجير في إطار الوطن البديل، وفق صفقة القرن الملعونة التي بشّر بها كل من الرئيس ترامب، وخطته لخدمة الكيان الصهيوني ضمن حزمة تحقيق المطالب الصهيونية، بالتغاضي عن الاستيطان، وبنقل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى القدس، وبدعم مشروع إسرائيل الذي ابتدعته في إطار الوطن البديل.
هذا هو الحال في سيناء، بعد مواصلة قائد الانقلاب ببجاحة منقطعة النظير احتفالاته بالتهجير من سيناء، لا بتحريرها وإعمارها.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".