وحوش الوطن

وحوش الوطن

10 فبراير 2018
+ الخط -
عندما تم في المغرب تنصيب حكومة عبد الرحمن اليوسفي في مارس/ آذار 1998، علّق مغاربة بسطاء كثيرون ومن الطبقة الوسطى آمالاً كبرى عليها، بناءً على التاريخ النضالي لرئيسها، وعلى الوعود التي أطلقت آنذاك.
كان كثيرون يأملون في انتقال ديمقراطي سليم وسلمي، واستمر معه الحلم بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، تعيد الكرامة للإنسان المغربي بعد عقود سوداء من القمع والتسيب والفساد وإهدار كرامة البشر.
تم التخلي عن اليوسفي بالطريقة المعروفة، والتي أصبحت اليوم ذكرى قاسية في وجدان ديمقراطيين مغاربة كثيرين.
وحتى حينما جاءت تجربة إسلاميي حزب العدالة والتنمية، بعد احتجاجات حركة 20 فبراير/ شباط، عادت الآمال الشعبية نفسها، لتنتعش وتتجدد بحكم التعاطف الذي حصده هذا الحزب، والشعارات القوية الذي يردّدها الحزب وقياداته.
ربما كانت هناك نية لدى جهات معينة بإغلاق قوس الربيع المغربي، والتنكر لمطالب الشعب المغربي. زد على ذلك الأخطاء السياسية التي وقع فيها رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، واختياراته القاسية، بمعية أعضاء حكومته متعددة الأضلاع، وربما أيضاً بسبب غياب الخبرة في التدبير.
بدا واضحاً لكثيرين، منذ مدة، أن هناك من يتعقب بنكيران، وأن رأسه أصبحت مطلوبة، وهذا ما حدث فعلاً، وأن قرار إبعاده أراح الدولة وقيادة الحزب والطبقة السياسية برمتها، على الرغم من تصريحات مليئة التي تقطر بالنفاق.
الفشل التدريجي لسيرورة الانتقال الديمقراطي، والتي سبق وعبّر عنها اليوسفي في خطابٍ له في بروكسل، وتعدد الجبهات الانتهازية مجتمعة، في عصابة كبيرة داخل المؤسسات والأحزاب السياسية ورجال الأعمال الجشعين وغيرهم، يعطي دليلاً قاطعاً على ذلك، لكن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، فلكل طرف حساباته الدقيقة وأدواته وتوقيته.
تنبئ كل هذه الأسباب وغيرها بنهاية الحلم لدى فئات عريضة ليتحول الحلم إلى كابوس يومي، بحيث لم يكن غريباً أبداً أن نصعق بالارتفاع المهول للمديونية بشكلٍ لم يسبق له مثيل وانهيار القطاعات الاجتماعية وانسداد الأفق السياسي، ما جعل المستقبل يبدو قاتماً.
في الجهة الأخرى، حافظ الأثرياء والمقربون من الحكم على امتيازاتهم ومصالحهم بل، ويا لها من مفارقة أليمة، فقد عرفت نمواً مضطرداً في بلد فقير غارق في المديونية والفساد السياسي والبؤس الاجتماعي. وفي هذا السياق السياسي والمجتمعي المشحون، والذي عرف تراجعات خطيرة في حقوق الإنسان وارتفاع الفساد والإفلات من العقاب، راكمت الجهات النافذة مزيدا من الثروات، وقامت بتهريبها وشراء جنسيات أجنبية، ما يعد مثالاً صارخاً على الفصام الذي تعيشه النخب الحاكمة وعلى انعدام الثقة في الوطن ومؤسساته.
وهذا يعني بداهة أنّهم محميون جميعاً من جهات نافذة داخليّاً وخارجيّاً. ومستمرون في لعب المسرحية البالية نفسها، هؤلاء هم وحوش الوطن الذين حولوا الحياة العامة إلى غابة.
مسؤولية الدولة قائمة سياسياً وقانونياً وأخلاقياً في الوضع السياسي والاجتماعي المتردي، وفي تفاقم معدلات الفقر والهشاشة وسيادة مشاعر الإحباط واليأس.
الحرب على المدرسة والجامعة في شكلها الشرس والممنهج منذ فترة الثمانينات، وتدهور الحياة المعيشية للمغاربة مستمر بلا شفقة، ولا إدراك للعواقب الصاعقة. لذلك، الاستمرار في امتهان كرامة الناس الأكثر عزلة وهشاشة في المجتمع، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه ماكينة السلطة في صناعة النخب المخملية المنبطحة في مطبخ الحكم.
ينبئ ذلك كله بمراحل صعبة مقبلة.
avata
avata
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)