عن أحلام الطبقة الوسطى

عن أحلام الطبقة الوسطى

25 ديسمبر 2018
+ الخط -
تتجه الطبقة المتوسطة في المغرب نحو شكل جديد من التحولات العميقة والدراماتيكية، وهي موجودة في دوامة النماذج الاستهلاكية وفوضى الهواتف والصور والشوبينغ. وقد انعكست هذه السلوكيات الجديدة على العلاقات الأسرية والأطفال والمراهقين، وصار واضحا للعيان التمزق الاجتماعي المروّع الذي يتسع يوما بعد يوم تحت أنظارنا.
وبسبب سياسية الريع الرسمية التي ينتهجها النظام مند الاستقلال، والتي اخترقت كل البنيات الاجتماعية والسياسية والإدارية والإنتاجية، صار الجميع يلهث و"يناضل" من أجل مزيد من الامتيازات والحظوة والمنافع المادية والمعنوية، وصرنا أمام هوس جماعي مفتون بنموذج استهلاكي ريعي وغاشم.
صارت الطبقة المتوسطة سجينة الأوهام التي تحملها عن نفسها وعن المحيط بها وضحية صورتها عن الطبقات الثرية العليا والطبقات الشعبية المسحوقة، فهي تشعر، من جهة، بالدونية والإذلال أمام عالم الأثرياء وتنفر، في الوقت نفسه، من الفئات المسحوقة، وهو ما أكسبها بنية قيمية، تأسست على الجبن والانتظار والتردد والاختباء، وهي تحمل، في طيات جيناتها، التناقضات المؤلمة والآمال المجهضة الدفينة التي تعتمل في أحشاء المجتمع بشكل عام.
الأحلام العظيمة والتطلعات والخيبات والأحزان التاريخية، تولد أغلبها داخل أحشاء الطبقة الوسطى، وهي المعمل الحقيقي الذي تتكون فيه المشاريع والآمال والمبادرات المصيرية التي يكتب لها النجاح أو الفشل. إن أوجاع الطبقة الوسطى وأنينها الذي ينفلت، في بعض الأوقات، هو المعبّر عمّا يجري داخل الجسد الاجتماعي في لحطة تاريخية معينة.
لذلك، لا غرابة قي أن تشعر الطبقات الوسطى بالانكسار والحيرة والتواطؤ والخوف من المجهول، إنها تشعر أنها مدللة وغير مرغوب بها في الوقت نفسه، إنها فئة حالمة ومتعجرفة وضائعة، وهذا هو جرحها النفسي والتاريخي الغائر الذي لا يندمل.
إنها حليفة النظام، وأول من يحتمي بالقانون والمؤسسات ويدافع عن بنية النظام وعقائده وأساطيره، وهي أيضا عدوه وخصمه الذي يمارس كل أشكال النفاق والمناورة والانبطاح.
لقد ناضلت بيأس وشراسة، وبأقنعة كثيرة، وبكل الوسائل للحفاظ على سلامها الداخلي ومصالحها وموقعها المهدد بسبب عشوائية وغموض خطط ورهانات النظام وتغيرات مزاجه السياسي وقواه العلنية والخفية. وتبحث بلا هوادة عن الوصفة المستحيلة للهدنة الدائمة مع مؤسسات السلطة والأعداء و"الغرباء" وكل الآخرين.
أثرث في كل مكان الاختلالات والقرارات الاقتصادية والمالية بالتماسك الاجتماعي الهش، وظهرت النعرة الفئوية والجغرافية الصارخة، وسمعنا الزفرات اليائسة القادمة من باطن الأرض المجتمعية وتحولت ساحات المجتمع إلى قبائل سياسية صغيرة ولوبيات اقتصادية وتجارية شرسة ومتناحرة بشكل لم يسبق لها مثيل.
الطبقة الوسطى المثقلة بالقروض والأعباء والطموحات والمخاوف تجد نفسها مترددة بين حلم الهجرة والخلاص وغريزة البقاء، ممزقة بين الاستلاب الفرانكفوني والمثال السلفي .
إنها نمودج الجسد المهزوم والعقل الحائر المليء بالوساوس والمخاوف حول التسلق والاستقرار والمغامرة.
avata
avata
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)
بن أموينة عبد اللطيف (المغرب)