في محبّة إبراهيم السعافين

في محبّة إبراهيم السعافين

23 فبراير 2018
+ الخط -
الكتابة المُحِبّة شحيحةٌ في مشهدنا الثقافي العربي العام. أعني الكتابة التي هذا تصنيفُها فحسب، ليست نصا إبداعيا ولا نقديا ولا فكريا، وإنما هي مُحِبّةٌ فقط. ولأنها شحيحةٌ، فإنك تغتبط عند مطالعتك كتابا في لونها ونوعها في 750 صفحة. وتبتهج أكثر عندما يكون الكتاب عن أستاذٍ جامعيٍّ، درس عليه آلافُ الطلبة العرب في نحو أربعين عاما في غير جامعةٍ عربيةٍ (درّس في جامعةٍ في الولايات المتحدة أيضا)، ووازى في حضوره الثقافي بين الأكاديمية والإنتاج الإبداعي، شعرا ومسرحا ورواية، وبين فاعليّته مثقفا في محيطه ومكانته باحثا في غير مسألةٍ وشأن. 

أما الكتابة المُحِبّة، فهي عن أستاذ النقد الأدبي، الدكتور إبراهيم السعافين. والكتاب هو "يُشرق في كل أفق.." (الدار الأهلية، عمّان، 2017)، من تحرير الدكتور جمال مقابلة. ضم في جزءٍ أول 17 مقالةً وبحثا وشهادةً عن أستاذنا، لدارسين وباحثين ونقاد وطلاب وزملاء من الأردن وفلسطين والعراق والإمارات وموريتانيا ومصر والسودان وليبيا والسعودية. وضمّ، في جزئه الثاني، 33 دراسة في عدة موضوعات وقضايا، مهداة إلى السعافين. والمبادرة إلى تهيئة كتبٍ من هذا النوع نادرةٌ في الحالة العربية. ولذلك، يستحق الصديق جمال، ومن عاونوه في إنجاز هذا المجهود، وردةَ محبّةٍ هنا، لأن أهمية هذا الكتاب الأنيق ليست فقط في إضاءات مساهمين فيه على منتج السعافين النقدي والإبداعي (32 كتابا، قبل روايته التي صدرت قبل أسابيع "الطريق إلى سمحاتا")، وإنما أيضا في الروح، الرهيفة في محبّتها الأستاذ القدير، لا عالما في شغله النقدي ودرسه الأدبي فقط، وإنما كذلك في سجاياه وشمائله الشخصية. وهنا، يحسن التذكير ببديهية أن من يزاول التدريس، الجامعي مثلا، إنْ كان على علمٍ غزيرٍ وخشونةٍ كثيرةٍ فإن النفع منه قليل. ولا تزيّد هنا في الزعم إن من سابع المستحيلات أن تعثر على طالبٍ في أي جامعةٍ درّسه السعافين فيها ويأخذ عليه أمرا، بل أحسد هنا طلابا كثيرين، أصابوا منه الخلق العالي والسماحة والدفء. وإذا كان أستاذنا قد أحرز جوائز رفيعةً على كتبٍ ودراساتٍ له، واحتُفي به في غير مناسبةٍ (شخصية معرض عمّان الدولي للكتاب الثقافية أخيرا)، إلا أن ما يحظى به من محبّة طلابه وتقديرِهم يفوق الوصف. وكم تمنّيتُ لو أني، إبّان كنتُ طالبا في جامعة اليرموك، قبل أكثر من ثلاثين عاما، أن أكون منهم، غير أنني أضمّ نفسي إليهم، للصداقة التي تصلني بشخصه المحترم.
يكتب الشاعر راشد عيسى إن إبراهيم السعافين أستاذٌ قديرٌ في علمه الأدبي، وأستاذٌ في النبل والشفافية والتهذيب. ويكتب رمضان بسطاويسي محمد إن صيغة الحياة التي يقدّمها السعافين، عبر سلوكه اليومي، مع الذات، ومع البشر من طلابٍ وأساتذة، هي إبداعٌ أيضا، لا يقل إبداعا في كتبه وأشعاره. وإنه، في أبحاثه، ما زال يختبر المناهج والنظريات والآليات الغربية، ويحاول أن يرى جدواها في دراسة الإبداع، من دون انتصارٍ لها أو انحيازٍ ضدها. ويكتب زهير أبو شايب إن أستاذه حبّب إليه دور التلميذ، وإنه ما زال يحنّ إلى أن يعود تلميذا من جديد. ويكتب نارت قاخون إن الأدب في جوهره، عند السعافين، هو أدب مقاومةٍ للزيف والفساد والظلم والقهر والاغتصاب والنفاق والمحاباة والخنوع والخضوع. ويعدّ أحمد الشلابي السعافين من رواد التأسيس النقدي لما يمكن تسميتها دراسة "شكل المضمون/ المحتوى" في السرديات العربية. ويكتب أستاذي، نبيل حداد، إن السعافين اشتهر واحدا من أبرز الأكاديميين العرب خلال الثلاثين عاما الماضية في حقل نقد الرواية، وتسلّح بأحدث أدوات النقد الروائي وأنجعها. ويكتب أحمد الزعبي إن السعافين ظل نقيا في زمنٍ موبوء.
تلك نتفٌ من الجزء الأول في الكتاب الذي هو، بحسب محرّره ومقدّمه، جمال مقابلة، "كتاب المحبين من الإخوة والأصدقاء والزملاء والتلاميذ، يكتبونه مجتمعين، تكريما للأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين، ...، واحتفاءً به ناقدا حصيفا، وأديبا عذبا له الحضور البهي، ومربّيا ما زال يشع إنسانيةً". ومقصد هذه المقالة التنويه بالبادرة المحبّة وراء إصدار هذا الكتاب، أما إذا حدسَ قارئٌ لها إن مناسبتها ترؤس الناقد والأستاذ الجامعي المعروف لجنة التحكيم للجائزة العالمية للرواية العربية (ساهم أيضا في التحكيم في جائزة كتارا) فهذا صحيح.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.