القبض على أبو الفتوح.. القوة بمواجهة السياسة

القبض على أبو الفتوح.. القوة بمواجهة السياسة

17 فبراير 2018
+ الخط -
كان من اللافت للغاية في لقاءاته الإعلامية الأخيرة، أن رئيس حزب مصر القوية، الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح، تمكّن من الحفاظ على خط سياسي شديد الدقة، على الرغم من اختلاف المحاورين بين "الجزيرة مباشر" والتلفزيون العربي و"بي بي سي". وبشكل عام، كان واعياً لخطابٍ لا يشمل معسكره فقط، بل يراعي مؤسسات الدولة، ومؤيدي عبد الفتاح السيسي الذين قال إنه يختلف معهم، لكنه لا يعاديهم.
أولاً، إصراره على رفع السقف إلى أعلى مدى ضد شخص الرئيس السيسي، مع تحييد الجيش أو مؤسسات الدولة. فبينما اتهم السيسي بالمسؤولية عن "جريمة" اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، وكذلك هاجم مراراً نظامه وأجهزته الأمنية التي "ألغت الانتخابات عملياً"، فإنه حرص على تجنب الجيش، بخطابٍ بالغ الذكاء، بتأكيده رغبته بإبعاد الجيش عن السياسة للقيام بدوره الوطني "المقدس". وهنا حين سُئل عن موقف الجيش من اتفاقية تيران وصنافير أشاد بقادة الجيش السابقين الذين عارضوها، لكنه أكد أن الجيش النظامي يجب ألا يتحرّك ضدها، لأنه جيش مهني، عليه ألا يتدخل في السياسة مهما حدث، مؤكداً رفضه أي دعوة إلى انقسام الجيش. وكرّر، أيضا، تمنياته للجيش بالانتصار في حملته الحالية في سيناء، وهو ما تبعه بنشر تغريدةٍ على "تويتر" يشيد فيها بشهادات عن حسن معاملة الأهالي.
بهذا التوازن، لا يمكن للمعارضين اتهامه بالتفريط، فالرجل هاجم السيسي، وسرد ممارساته ووصف نظامه بالاستبداد والسعار، كما أنه يطالب بخروج الجيش من السياسة. وفي المقابل، لا يمكن لدعاية النظام اصطياد أي جزءٍ من كلامه على أنه معاداة للجيش، أو محاولة إضعافه، بينما يحارب الإرهاب.
وبأسلوب مشابه، أراد أبو الفتوح أن يستدرج السيسي إلى ملعب السياسة، حين رفض التراجع عن موقفه بمقابلة عدلي منصور بعد "30 يونيو"، ليؤكد أنه، باعتباره سياسيا، يمكن أن يقابل أي أحد إلا الصهاينة. والمهم هو محتوى اللقاءات وليس أطرافها، وهو ما ذكره بشكل أكثر صراحةً مع التلفزيون العربي، قائلاً إنه لو دُعي للقاء السيسي لأجاب فوراً، وأنه مستعد لأي تعاون مع أي نظام لصالح الوطن. وهو هنا يُبطل الدعاية الحكومية بأن هذه المعارضة هي من يرفض الحوار والتعاون، وفي الوقت نفسه، تجنب رد فعل معسكره بتأكيده أن هذا موقفه الثابت في عهود حسني مبارك ومحمد مرسي الذي التقاه بالفعل.
تعامل بذكاء بالغ مع الحديث عن المعارضة التي شكلت تحالف "الحركة المدنية الديمقراطية"، وثار جدل حول استبعاد حزبه، فقال إنهم لم يستبعدوه، بل هو من لا يرغب لأسباب إجرائية بحتة، وأنه يحييهم على جهدهم، ويود التعاون معهم. هكذا يقدم نفسه بصورة الأخ الأكبر والأحكم.
على جانب آخر، لامس الرجل مزيج المشاعر الوطنية والإنسانية، حين أكد أنه سيعود إلى مصر قطعاً، وسيظل فيها حتى الموت، على الرغم من البلاغات التي تم تقديمها ضده، وهو ما نفذه فعلياً، ليُلقى القبض عليه بعد ساعات فقط من عودته.
وحتى بعيداً عن المضمون، كان الشكل موفقاً، طرح أبوالفتوح نفسه بصورة الطبيب المثقف الأنيق، إلى حد أن تعليقاً نسائياً وصفه بأنه يشبه الممثل شون كونري. وبعد اعتقاله، أظهرت ردود الأفعال المتضامنة الواسعة نجاحه، فقد شملت شخصياتٍ وأحزابا تختلف معه تاريخياً، وبعضها كانت له مواقف حادة ضده.
طرح بعضهم نظرية أن أبوالفتوح تعمد دفع السيسي إلى القبض عليه، ليدشن نفسه زعيماً جديداً للمعارضة مثل نيلسون مانديلا، وهو ما أراه تحيليلاً خاطئاً، فالرجل أعقل من أن يختار السجن طوعاً، خصوصا في هذا الزمن الذي لا يضمن فيه من سيدخل الخروج، فضلاً عن عمره البالغ 67 عاماً ومشكلاته الصحية، لكنه تعمد رفع الثمن السياسي لاعتقاله إذا حدث.
لعب أبوالفتوح أحد أفضل مبارياته السياسية، وكسبها في مجال السياسة الذي يتقنه، لكن السيسي الذي وصف نفسه بأنه ليس سياسياً انتزعه إلى ملعب القوة الذي يعرفه. لكن لعل ما زرعه أبو الفتوح يثمر يوماً.